ماهو تفسيرك لنجاح بعض الأعمال الجزائرية المعاصرة مكتوبة باللغة الفرنسية على حساب أخرى وهل للجوائر الأدبية دخل في توسيع دائرة قراءة أعمال دون غيرها ؟ جواد رستم تواتي
من الواضح اليوم أن « النجاح » في الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية يصنع – في غالب الأحيان – في فرنسا. لابد قبل التوسع في هذه النقطة من العودة إلى مفهوم الهيمنة الثقافية الذي طوره أنطونيو ڨرامشي. لابد كذلك من التذكير أن الاستعمار صيرورة تاريخية قائمة على علاقات هيمنة اقتصادية، سياسية و ثقافية، التي لا تزول بمجرد زوال التواجد العسكري و الاستيطاني، بل بالقضاء على تلك علاقات الهيمنة. إذ هناك علاقة جدلية بين الهيمنة السياسية و الاقتصادية من جهة، و الهيمنة الثقافية: كما تقول المؤرخة أني لاكروا ريز، « لا تقوم هيمنة اقتصادية إلا بتصدير آليات الهيمنة السياسية و الثقافية الداعمة لها ». و الأدب بصفة عامة يلعب هذا الدور، و يعتبر من أقوى الأعمدة للقوة الناعمة، بل صار من أخطر الأسلحة في ترسانة حروب الجيل الخامس.
بعد الاستقلال، كان هناك مشروع ثوري للتحرر الفعلي و الكلي، و تشييد اقتصاد ذاتي التمركز من أجل سيادة وطنية فعلية و ذاتية في تقرير المصير. توصلنا هذه النقطة إلى مفهوم آخر: التصور للعالم، weltanschauung، الذي صاغه كانط و طوره في مجال الأدب ڨولدمان. في الحقبات الثورية، كما تسعى الشعوب إلى الذاتية في تقرير مصيرها، تسعى كذلك إلى الذاتية في تصورها للعالم و لنفسها. مع التخلي عن المشروع الثوري و العودة إلى أحضان الاستعمار الجديد ابتداءا من الثمانينات و ما سمي بالانفتاح، استيراد السلع الشبه كلي صحبه استيراد التصور للعالم: من يملأ بطنك يملأ رأسك. فصار بعض الكتاب باللغة الفرنسية الراغبين في الاندماج في اصطبل صانعي الهيمنة الثقافية بفرنسا يتناولون العناصر الفكرية و الإيديولوجية التي تسمح لهم بالانخراط في صفوف ما سماه إدوارد سعيد بالمخبرين المحليين. فصاروا يقومون بإعادة تدوير الخطاب الاستعماري المهيمن في القرن 19 (و الذي يمثل أرنست رنان أكبر صورة له) في قالب « محلي ». فوجدت هذه الأعمال صدى كبير عند التيارات الرجعية الفرنسية، التي طبلت لها تحت ستار « شهد شاهد من أهلها »، و قامت بالترويج لها في الجزائر عبر الجناح الثقافي للطابور الخامس (دور نشر، جرائد، إعلاميين، تحت الرعاية السامية و الشبه خفية للسفارة الفرنسية)، فصادفت عقدة المستعمر الكامنة عند فئة كثيرة من القراء، عقدة تأزمت مع التراجع الذي عرفته الجزائر في شتى المجالات منذ الثمانينات. فصار ما يأتي من الغرب بصفة عامة، و فرنسا بصفة خاصة، يحمل علامة الجودة، بغض النظر عن المحتوى، و صار التصفيق لهؤلاء و اقتناء كتبهم علامة الانتماء إلى صف التقدميين و المتقدمين، و لو كان خطابهم في غاية القدم (صور نمطية للقرن 19) و الرجعية. هذا بمجرد الترويج الإعلامي. فكيف بإعطاء الجوائز؟ و لا يتسع المقام للتفصيل في « ثقافة النرجسية » التي حللها كرستوفر لاش في كتابه الشهير، أين بين كيف يعيش الفرد النرجسي نجاح المشاهير بالنيابة؛ و هذا يشمل كل النجاحات، لا سيما الأدبية… إن صح أن نسمي ذلك الارتقاء بالزحف نجاحا.
المصدر : https://www.alfaisalmag.com/