من تداعيات الحرب التجارية – 1 : الطاهر المعز
أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدّولي، يوم الخميس 17 نيسان/ابريل 2025 إن تصاعد التوتر التجاري، والتحولات الجذرية في نظام التجارة العالمية، سيؤديان إلى خفض التوقعات الاقتصادية للصندوق وإلى تخفيضات ملموسة في معدلات النمو الاقتصادي، حيث تؤدّي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى ضبابية « غير مسبوقة » في السياسة التجارية وتقلبات شديدة في الأسواق المالية وفي عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وأثارت ردود فعل من الصين والاتحاد الأوروبي اللَّذَيْن اتخذا إجراءات مُضادّة، مما قد يُفضِي إلى إعادة تشكيل نظام التجارة العالمية وإلى اضطرابات مُكلفة مع احتمال ارتفاع التضخم في بعض الدول، كما خفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لحركة التجارة الدّوْلية للسلع ( يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025) بسبب زيادة الرسوم الجمركية الأميركية وامتداد تبعاتها وتأثيراتها وما قد يترتب عليها من ركود هو الأَشَدّ منذ ذروة جائحة كوفيد-19، وتوقعت المنظمة انخفاض تجارة البضائع بنسبة قد تصل إلى 1,5% سنة 2025، مما يُخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، في ظل امتداد المخاوف إلى الأسواق المالية وإلى قطاعات اقتصادية عديدة وخصوصًا في « الدّول النامية » فضلا عن مخاطر فك الارتباط بين الاقتصادين الأميركي والصيني، والعواقب الوخيمة التي تنتج عن ذلك مثل احتمال انكماش الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 7% في الأمد البعيد، وفق ما نقلته وكالة رويترز ( 17/04/2025) وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية يوم الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025، ملخصًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( أونكتاد) يُحذّر من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2,3% « بسبب التوتر التجاري وحالة الضبابية التي تدفع باتجاه الركود »…
أدّت قرارات الرئيس الأمريكي إلى زيادة مشاعر الغضب ضد سياسات الولايات المتحدة، وتعدّدت دعوات مُقاطعة الإنتاج الأمريكي في كندا بسبب إلى رغبة ترامب في جعل كندا الولاية الأميركية رقم 51، وفي دانمارك بسبب التهديد بالإستحواذ على غرينلاند القريبة من أمريكا الشمالية ولكنها تابعة للدانمارك، وتتمتع بحكم ذاتي، كما انتشرت دعوات المقاطعة في فرنسا والسويد وألمانيا ودول أوروبية أخرى، حيث بدأ الشباب بتنظيم حملات عبر منتديات مثل « ريديت » (Reddit) وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى للترويج للبضائع والصناعات الأوروبية ومقاطعة المنتجات الأميركية، وهي حملات شوفينية في معظمها، ولا تقاوم الرأسمالية والإمبريالية ( الأوروبية والأمريكية)، وتشكل ردود فعل على قرارات السلطات الأمريكية، وقام عشرات الآلاف من الشباب الأوروبي بإطلاق منتدى « اشتر من الاتحاد الأوروبي » (BuyFromEU)، إلى جانب دور موقع « غو يوربيان دوت أورغ » (GoEuropean.org) في الترويج للمنتجات الأوروبية، التي تشكل بديلا للمنتجات الأميركية، بهدف « دعم الاقتصاد المحلي من دون التأثير السلبي على سوق العمل » لأن العديد من الشركات الأميركية تمتلك خطوط إنتاج في أوروبا…
جاءت ردود الفعل غير المُنْتَظَرَة من ألمانيا – أهم حليف للإمبريالية الأمريكية في أوروبا – حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين أمريكا وألمانيا 273 مليار دولارا، سنة 2024، وحيث التغلغل الإيديولوجي الأمريكي والأطلسي كبير جدًّا، فقد تزايدت دعوات مُقاطعة السلع الأمريكية، واستبدل أحذية نايك، ذات المنشأ الأمريكي بأحذية أديداس ذات المنشأ الألماني، على سبيل المثال، وكلاهما شركة عابرة للقارات وتدعم الكيان الصهيوني وتستغل العُمال والعاملات في جنوب شرقي آسيا وفي أمريكا الجنوبية أبْشَع استغلال، أو استخدام موقع زالاندو للتسوق الإلكتروني بدلا من أمازون، والإقبال على سيارات فولكس فاغن بدلا من تسلا الخ وتعمد بعض « المُستهلكين » إزاحة المنتجات الأميركية من الرفوف داخل المتاجر الألمانية، في إشارة إلى رفضها، غير إن الحكومة الألمانية أعلنت رفضها مقاطعة المنتجات الأميركية، لأن ألمانيا « دولة تعتمد بشكل كبير على التصدير ولا تحتاج إلى مزيد من الحواجز التجارية، بل إلى تقليلها »، كما عارض رئيس اتحاد تجارة الجملة والخدمات الخارجية فكرة المقاطعة، « لأن الولايات المتحدة أصبحت – سنة 2024- الشريك التجاري الأول لألمانيا، متجاوزةً الصين، بحجم 273 مليار دولارا، منها 173,9 مليار دولارا من الصادرات ألألمانية إلى الولايات المتحدة »، وأظْهر استطلاع للرأي نشره معهد « يوغوف » يوم 28 آذار/مارس 2025، أن 52% من الأشخاص في ألمانيا لم يعودوا يرغبون في شراء السلع الأميركية.
من جهة أخرى، تتأثر الشركات الأمريكية بقرارات رفع الرسوم الجمركية، ويُتوقع ارتفاع تكاليف واردات شركات تصنيع السيارات الأمريكية بـ108 مليارات دولار سنة 2025، مما اضطر شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات إلى إعلان ( الإربعاء 16 نيسان/ابريل 2025) رفع أسعار سياراتها الجديدة، خلال شهر أيار/مايو 2025، إذا لم تخفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السيارات، وأعلنت شركات صناعة السيارات الأميركية الأخرى إنها ستضطر إلى رفع الأسعار بوتيرة كبيرة إذا استمرت الرسوم الجمركية، وفق وكالة بلومبرغ…
تأثّر الدّولار كذلك بالرسوم الجمركية فانخفض سعره مقابل العملات الأخرى، فيما ارتفع سعر الذّهب ( كملاذ أكْثَرَ أمانًا من الدّولار) بنسبة 27% بين بداية كانون الثاني/يناير ومنتصف نيسان/ابريل 2025، وبلغ مستوى قياسيا ( 3359,5 دولارا للأوقية) لأن الذّهب يُعتَبَرُ وسيلة للتَّحَوُّط من ارتفاع التضخم الذي قد يرتفع ( إلى جانب البطالة) في الولايات المتحدة وفي العالم، بسبب التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، وفق رئيس مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي ( المصرف المركزي)
تأثرت شركة « إنفيديا » لصناعة الرقائق الإلكترونية – كما العديد من الشركات الأخرى – بالقيود الأميركية الجديدة على تصدير بعض أنواع الرقائق إلى الصين، والتي ستكلف شركة إنفيديا خسارة بنحو خمس مليارات دولار،
تصدّر الصين إلى الولايات المتحدة سلَعًا بقيمة 440 مليار دولار، وتستورد منها سلعا وخدمات تعادل قيمتها 150 مليار دولار، ولذا فإن اقتصاد الصين يتعرض لأضرار كبيرة جراء ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 145% لكن الحكومة الصينية قررت الرّد السريع وأوقفت طلبيات شراء طائرات إضافية من شركة « بوينغ » الأمريكية لصناعة الطائرات، ووَقْف مشتريات معدات وقطع غيار الطائرات من الشركات الأميركية، مما أدى إلى تراجع سهم بوينغ بشكل حاد في البورصة الأميركية، كما تعاني بوينغ من صعوبات مالية وأزمة مستمرة في مراقبة الجودة، وقررت الصين كذلك حظْر تصدير المعادن النادرة، وتُشير تقديرات مصرف « غولدمان ساكس » إن الصين قد تملك هامش مناورة أكبر على المدى الطويل، لأن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في استبدال 36% من وارداتها من الصين، في حين ستجد الصين صعوبة في استبدال 10% فقط من وارداتها من الولايات المتحدة التي شهدت أسواقها المالية تراجعا حادًّا طال الأسهم وسندات الخزينة والدولار الأميركي على حد سواء، مما يعني إن الدولار وسندات الخزانة الأمريكية لم تعد ملاذًا آمنا في أوقات الأزمات، وبدأت بعض الدّول تبحث عن بدائل تخفض اعتمادها على الدولار والأسواق الأمريكية، مما يُؤدِّي إلى إعادة تقييم للدور الأميركي في النظام المالي العالمي، واستهدفت الصين قطاع الخدمات الأمريكي – الذي تُعادل قيمة صادراته إلى الصين نحو 55 مليار دولارا سنويا ( بالإضافة إلى توسيع نطاق ضوابط التصدير للمعادن الأرضية النادرة، وهي معادن أساسية لصناعات حيوية كأشباه الموصلات وأنظمة الدفاع والخلايا الشمسية، وفتحت الصين تحقيقات لمكافحة الاحتكار تستهدف شركات أميركية بارزة مثل دوبونت و غوغل… ) وصنّفت الصين، منذ شهر شباط/فبراير 2025، عشرات الشركات الأميركية على قائمة « الكيانات غير الموثوقة »، مما يهدد بتقييد أو حظر تعامل هذه الشركات تجارياً أو استثمارياً في الصين، كما استهدفت الصين قطاعات السفر والخدمات القانونية والاستشارية والمالية الأمريكية، وهي قطاعات تحقق فيها الولايات المتحدة فائضاً تجارياً كبيراً مع الصين منذ سنوات، فضلا عن صادرات قطاعات السينما الأمريكية ومكاسب قطاعات الترفيه والسياحة والتعليم الأمريكية، حيث ينفق السائحون الصينيون بسخاء في الولايات المتحدة، فضلا عن الإنفاق المتعلق بالتعليم والرسوم الدراسية ونفقات المعيشة لأكثر من 270 ألف طالب صيني يدرسون في الولايات المتحدة، بحسب تقرير الشبكة الأميركية سي إن إن…
قد تؤدّي قرارات السلطات الأمريكية والأشكال المُتعجْرِفَة لتعاملها مع المنافسين والحُلفاء إلى تغيير المشهد الجيوسياسي والإقتصادي الدّولي وإلى إعادة صياغة قواعد جديدة للدّبلوماسية والعلاقات الإقتصادية والتجارية، وكانت الصين قد تهيّأت وبدأت إنجاز مبادرة « الحزام والطريق » منذ سنة 2013، بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مُحاصرة الصين عسكريا بواسطة الأساطيل البحرية وإغلاق الممرات التجارية المائية التي تُعتَبَر شريانًا حيويا لاقتصاد الصين، وتمكنت الصين من الإلتفاف على الحصار الأمريكي، من خلال تعزيز علاقات الشراكة مع روسيا ومجموعة بريكس وأفريقيا وآسيا، وخفّضت الجمارك إلى صفر مع أكثر من 50 دولة، منها 33 دولة إفريقية، مما يحد من اعتمادها على السوق الأميركية، وتمكّنت الصين من تحسين العلاقات مع دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة واخترقت الحصار التجاري الأميركي عبر دول وسيطة مثل ماليزيا وفيتنام لتصدير سلعها، ما دفع واشنطن إلى فرض عقوبات على هذه الدول، كما نجحت الصين في استخدام عملتها المحلية، اليوان، لتعزيز التبادل التجاري مع عدد من البلدان بما فيها دول الخليج العميلة للإمبريالية الأمريكية، مما قد يُهدّد الهيمنة المُطلقة للدّولار، على مدى بعيد، واستثمرت الصين في مجالات البحث العلمي والإبتكار والتّدريب والتّأهيل، ما أتاح نجاح شركات مثل هواوي ( الإتصالات) وشركات السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة وما أتاح تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، رغم الحصار الأمريكي والأوروبي وخرجت الصين منتصرة في المعركة التكنولوجية والإلكترونية وتعمل على تقويض الهيمنة الأمريكية على المؤسسات المالية الدّولية والتحويلات من خلال أدوات مالية مثل المصرف الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) ومصرف بريكس ( مصرف التنمية الجديد – New Development Bank ) كخطوات صغيرة لتحجيم نفوذ للحد من الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الواقعَيْن تحت السيطرة الأمريكية…

من تداعيات الحرب التجارية – 2
من القطاعات الإقتصادية المتضرّرة
قطاع صناعة السيارات
وصفت وكالة بلومبرغ دوافع زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية ب »دوافع سياسية وتجارية » وليست ضرورة اقتصادية، ونشرت تقريرًا عن تأثيرات قرار فرض رسوم جمركية أمريكية جديدة بنسبة 25% على واردات السيارات، بداية من الثالث من نيسان/ أبريل 2025، واستنتجت وجود صدْمَةٍ خلقت « حالة من الفَوْضى والإرتباك في وكالات السيارات في الولايات المتحدة… (إذْ) دَفَع القرار عديدا من وكلاء السيارات المستعملة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لمحاولة تغطية النقص الحاد في المخزون الذي قد يصل إلى 60%، وبدأت بعض الوكالات في الاتصال بزبائنها السابقين وعرض شراء سياراتهم المستعملة بأسعار أعلى مما دفعوه في الأصل، في محاولة يائسة لملء ساحات العرض الفارغة… » وكتبت وكالة بلومبرغ: « هذا الاضطراب بسوق السيارات الأميركي يُعيد إلى الأذهان المشهد الذي عاشه السوق خلال جائحة كورونا »، وشمل نقص المخزون كافة أنواع السيارات الجديدة مما دفع المستهلكين نحو سوق السيارات القديمة التي ارتفعت أسعارها إلى مستويات قياسية بنسبة وصلت إلى 12% في بعض الولايات، وسجلت بعض الطرازات، مثل « هوندا سي آر في الهجينة »، زيادة في الطلب بنسبة 18% منذ إعلان الرسوم الجمركية التي وصلت 145% على السلع الواردة من الصين، ومن بينها السيارات التي تصنعها الشركات الأمريكية في الصين، وقطع الغيار القادمة من الصين، وتمثّل ردّ الصين في فرض رسوم تصل إلى 125% على جميع البضائع الأميركية بداية من يوم 12 نيسان/ابريل 2025، واضطرت شركات مثل « تسلا » لوقف طلبات الشراء في الصين لسياراتها الكهربائية من طِرَازَيْ « مودل إس » و »مودل إكس » اللذين يُصنعان في الولايات المتحدة، مما أدّى إلى تراجع كبير في المبيعات وإرباك لدى العديد من الشركات الأخرى، وأعلن ناطق باسم شركة « تسلا » إنها تخشى من استمرار تآكل قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية، في وقت تسعى فيه الصّين لتوسيع صادراتها من السيارات الكهربائية المصنعة محليا.
خلقت الرسوم الجمركية المفروضة مؤخرا على الصين – والتي تصل إلى 145% في بعض المنتجات – أثرًا اقتصاديًّا واسع النطاق واضطرابا كبيرًا في سلاسل التوريد، خصوصًا في بعض القطاعات ومن بينها قطاع السيارات الأميركية، فضلا عن التقلبات بالأسواق التي قد تتفاقم خلال الأسابيع المقبلة، إذا لم يتم التوصل إلى حلول دبلوماسية أو تعليق إضافي للرسوم، بعد التعليق المؤقت لمدة تسعين يوم، ورغم التهدئة المؤقتة لا تزال المخاوف قائمة من العودة إلى فرض الرسوم بكامل قوتها بعد انتهاء فترة التعليق، حسبما نقلت بلومبيرغ عن مسؤولين في وزارة التجارة الأميركية.
كان دونالد ترامب يهدف أن تدفع سياسته الشركات إلى إعادة توجيه استثماراتها داخل الولايات المتحدة على مدى متوسط وبعيد، وتقليص العجز التجاري مع الشركاء الرئيسيين مثل الصين والإتحاد الأوروبي، غير إن الأثر الفَوْرِي تمثّل في ارتفاع أسعار السيارات وتراجُع الطّلب، مما يؤثر سلبًا على دخل أصحاب الوكالات والبائعين الذين يعيشون على عمولات البيع، ويتخوفون من أن يُؤدّي الحذر والخوف إلى توقف الأميركيين عن شراء السيارات أو استبدالها.
يَتَوَقّع مركز أبحاث السيارات ( ميشيغان – الولايات المتحدة) أن تُؤَدِّي الرسوم الجمركية على مستوردات السيارات إلى ارتفاع التكاليف على الشركات الأميركية بنحو 108 مليارات دولار سنة 2025، مما دَفَع شركات صناعة السيارات الأمريكية إلى السّعْيِ لابتكار طرق التعامل مع الرسوم الجمركية التي سوف تؤثر على أرباح شركات صناعة السيارات وموردي قطع الغيار، وأعلنت شركة « فورد » (أكبر شركات صناعة السيارات الأميركية) اعتزامها رفع أسعار بعض أنواع المركبات إذا لم تُلغَ الرسوم الجديدة، وأوقفت شحن سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الصغيرة والسيارات الرياضية الى الصين، بسبب زيادة الرسوم الجمركية الصينية المضادة التي ارتفعت نسبتها إلى 150%، بينما أكّدت « فولكس فاغن » (العملاق الألماني) عدم تغيير الأسعار الحالية حتى نهاية شهر أيار/مايو 2025، وقد ترفع الأسعار بعد ذلك « لتعويض ارتفاع تكاليف التصنيع »، واضطراب إمدادات قطع الغيار…
يتضمن تطبيق رفع الرسوم الجمركية بعض « الأضرار الجانبية » ومن بينها تعديل سُلُوك المُواطنين الأمريكيين الذين اعتادوا على الإستهلاك المفرط ( باستثناء الفقراء) والإقتراض لشراء سيارة أو تجهيزات منزلية أو مسكن، وأدّى ارتفاع أسعار السلع المستورة ( كالسيارات وقطع الغيار) إلى تغير سريع في سلوك الإستهلاك لذوي الدخل المتوسط والمحدود، وتغيير الأوْلَوِيّات وتأجيل قرارات طلب قَرْض لشراء مسكن أو سيارة…
رغم الإضطراب ورغم الإنطباع السّلبي لأغلبية المواطنين وتنظيم احتجاجات في معظم المدن الكبرى الأمريكية، احتجاجًا على السياسات الإقتصادية لإدارة دونالد ترامب ( تسريح عشرات الآلاف من الموظفين واستهداف قطاعات التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية، من خلال تقليص ميزانياتها، مقابل زيادة الإنفاق الحربي…) دعمت بعض نقابات الأُجَراء، أهَمُّها اتحاد عمال السيارات « يو إيه دبليو » (UAW). قرار فرض الرسوم وصرّح رئيس الاتحاد، شون فاين، بأن « الرسوم الجمركية أداة فعالة لدفع الشركات للإستثمار في العمالة الأمريكية وإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة… »، خلافًا لِرَأي العديد من الاقتصاديين الذين حذَّرُوا الأضرار التي تلحق ذوي الدّخل المتوسّط والمحدود جرّاء السياسات الحمائية التي تُؤَدِّي إلى الإحتكار بفعل تقلُّص المنافسة، وإلى ارتفاع الأسعار، وكان معهد « بيترسون » قد نَشَرَ دراسةً سنة 2018 ( خلال فترة الرئاسة الأولى لدونالد ترامب) تُشير إلى أن هذه السياسات الحمائية قد تُحدث نتائج عكسية، وأن فرض رسوم بنسبة 25% على واردات السيارات وقطع الغيار قد يؤدي إلى فقدان نحو 195 ألف وظيفة خلال عام واحد فقط، نتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب.
المعادن النادرة
خَطّطت الصين – منذ سنوات عديدة – إلى الهيمنة على سلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة – وهي مجموعة من 17 عنصراً أكثر وفرة من الذهب ويمكن العثور عليها في العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة غير إن استخراجها ومعالجتها مُكلّفان ومُلوّثان للبيئة، وتحتوي جميع المعادن الأرضية النادرة على عناصر مشعة، مما يدفع معظم الدّول الرأسمالية المتقدمة إلى العزوف عن إنتاجها – لتصبح اليوم من أقوى أسلحة الصّين في الحرب التجارية التي أطْلَقَها رئيس الولايات المتحدة، وتُسْتَخدَم المعادن النادرة في تصنيع وتشغيل الهواتف « الذّكية » وجميع التجهيزات الإلكترونية والسيارات الكهربائية، وأعلنت الصين فَرْضَ قيود، من بينها حصول الشركات على إذن حكومي قبل تصدير هذه المعادن النادرة المُعالَجَة وبعض المنتجات المرتبطة بها مثل المغناطيسات التي كانت الولايات المتحدة ودول أخرى تعتمد على إمدادات الصين منها وتُستَخْدَم المغناطيسات في صُنْعِ محركات ومولدات أصغر وأكثر كفاءة، وصنع الهواتف « الذكية » ومحركات السيارات والطائرات، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، وصُنْعِ مجموعة من الأسلحة المتطورة، من مقاتلات الشبح – إف 35 – الأمريكية التي تمول الدّول الأوروبية تصنيعها في إطار حلف شمال الأطلسي، وكذلك الغواصات النووية الهجومية، كتلك التي تبيعا ألمانيا إلى الكيان الصهيوني بنسبة 65% من سعرها فيما يتحمل دافعو الضرائب في ألمانيا ( بما فيهم المهاجرون العاملون في ألمانيا ) ثُلُثَ ثمنها…
تقدر الوكالة الدولية للطاقة (IEA) إنتاج الصّين من المعادن النادرة المُعالجة بنحو 61% من الإنتاج العالمي وتُسيطر الصين على نسبة 92% من عمليات تَنْقِيَتِها، ولذلك فهي تمتلك القُدْرَة على
التّحكّم في سلسلة إمدادات المعادن الأرضية النادرة ولديها القدرة على تحديد الشركات التي يمكنها استلام الإمدادات من هذه المعادن والتي لا يمكنها ذلك، وتتمثل معظلة الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الإعتماد على الصين للحصول على هذه المعادن الثمينة، وكشف تقرير أمريكي أن الولايات المتحدة اعتمدت، بين سَنَتَيْ 2020 و2023، على الصين للحصول على 70% من وارداتها من جميع المركبات والمعادن الأرضية النادرة، أي أن القيود الجديدة قد تُعرقل العديد من القطاعات التي تستخدم المعادن الأرضية النادرة الثقيلة مثل صناعة الصواريخ والرادار والمغناطيسات الدائمة، وطائرات إف – 35 وصواريخ توماهوك، والطائرات الآلية (Predator) وهي معادن أساسية لصناعات حيوية كأشباه الموصلات وأنظمة الدفاع والخلايا الشمسية وغيرها، ويتطلب تنويع سلاسل الإمدادات وزيادة القدرات الأمريكية المحلية لمعالجتها وتنقِيَتها استثمارات كبيرة وجهود وتطورات تكنولوجية، مما يجعل تكلفة إنتاجها أعلى بكثير من استيرادها من الصين، وكان دونالد ترامب ومُستشاروه قد فَكَّروا في الموضوع، ولذلك يجري « التحقيق في المخاطر الأمنية الناتجة عن اعتماد الولايات المتحدة على استيراد هذه المعادن الحيوية من الصين »، بالتوازي مع الضغط على السلطات الأوكرانية للتوقيع على اتفاقية بشأن استحواذ الولايات المتحدة على المعادن، وبذلك يمكن تقليل الاعتماد على الصين، وما ينطبق على أوكرانيا ينطبق كذلك على غرينلاند القريبة جغرافيا من الولايات المتحدة، وهي جزيرة شاسعة قليلة الكثافة السكانية، وتتمتع بحكم ذاتي ضمن دولة الدّنمارك، وتحتوي أراضي غرينلاند على ثامن أكبر الإحتياطيات العالمية من المعادن الأرضية النادرة.
قطاع الخدمات والسّفَر والسّياحة…
استخدمت الصين – في ردّها على الرّسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة – تقييد الحصول على المعادن النادرة و وفتح تحقيقات في مكافحة الاحتكار تستهدف شركات أميركية هامة مثل غوغل أو دوبوينت، وتقويض قطاعات مثل الطّيران ( عدم استلام المزيد من طائرات بوينغ الأمريكية ووقف مشتريات المعدات وقطع غيار الطائرات من الشركات الأمريكية – والتعليم والترفيه وقطاع الخدمات الأميركي عموما، والذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بفائض تجاري هام مع الصين، وأدرجت الصّين – منذ شهر شباط/فبراير 2025 – عشرات الشركات الأميركية على قائمة « الكيانات غير الموثوقة »، مما يهدد بتقييد أو حظر تعامل هذه الشركات تجارياً أو استثمارياً في الصين، وأدرجت شركات مثل « شيلد إيه آي » و »سييرا نيفادا » على قائمتها السوداء بسبب تعاونها مع تايوان، وحثت وسائل الإعلام الصينية على تجنب استخدام التكنولوجيا الأميركية.
استهدفت الصين كذلك مجالات السفر والخدمات القانونية والاستشارية والمالية، وهو قطاع تحقق فيه الولايات المتحدة فائضاً تجارياً كبيراً مع الصين منذ سنوات ( قُدٍّ الفائض لصالح الولايات المتحدة ب32 مليار دولارا سنة 2024)، كما أعلنت الصين خفض واردات الأفلام الأمريكية، وحذّرت المواطنين الصّينِيِّين من السفر أو الدراسة في الولايات المتحدة، وحرمان قطاع الفنادق والسفر من إنفاق ملايين السياح الصينيين في الولايات المتحدة، ومن الرسوم الدّراسية والإنفاق المتعلق بالتعليم ونفقات المعيشة لأكثر من 270 ألف طالب صيني يدرسون في الولايات المتحدة.
من تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية على الأسواق الدّولية
يُتوقّع أن تُؤَثِّرَ الحرب التجارية الأمريكية على اقتصاد كل من الولايات المتحدة والصين، وهما أكْبَر اقتِصَادَيْن في العالم، لكن التّأثير السّلبي يتجازوهما – في ظل العولمة الرأسمالية – حيث تعمل الولايات المتحدة على تغيير القواعد التي فرضتها على العالم قبل أكثر من عقدَيْن من خلال منظمة التجارة العالمية، وإعادة هيكلة الإقتصاد الدّولي والقطاعات الإستراتيجية مثل التكنولوجيا والصناعات العسكرية والزراعة، وفي ظل هذا التغيير لقواعد الاشتباك وتداعياته، عملت الصين من أكثر من عِقْد على امتلاك أدوات التنمية الخاصة بها، وإرساء وتدعيم مصالحها التجارية والإستراتيجية عبر « مبادرة الحزام والطريق » التي مكنت الصين من تعزيز شراكاتها مع روسيا وأفريقيا وآسيا، وخفّضت الجمارك إلى صفر مع أكثر من خمسين دولة، منها 33 دولة إفريقية، مما يحد من اعتمادها على السوق الأميركية، وربطت علاقات تجارية هامة مع دول آسيوية مثل ماليزيا وفيتنام، مكنتها من الإلتفاف على الحصار التجاري الأميركي وتصدير الإنتاج الصينِي، من خلال هذه البلدان، فضلا عن توسيع نطاق التبادل التجاري باستخدام العملة الصينية (اليوان) بدَل الدّولار، ومن خلال دعم مصرف بريكس والمصرف الآسيوي للتنمية، وتمكنت الصين من تطوير البحث العلمي والإبتكار عبر زيادة الإستثمار وتشجيع شركات صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه المواصلات، مما مَكّن شركة هواوي من التّفوّق على الشركات الأمريكية و »الغربية » رغم العراقيل الأمريكية والأوروبية…

من تداعيات الحرب التجارية – 3
تتضمن هذه الحلقة الأخيرة متابعة للتأثيرات المباشرة ( الآنية) للقرارات الأمريكية –أحادية الجانب – وردود فعل الصين، ومنها التّخلّص التّدريجي من السّندات الأمريكية والأضرار التي تلحق المستهلكين في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تظاهر الآلاف من سُكّانها في معظم الولايات الأمريكية احتجاجًا على خفض الإنفاق الحكومي وتسريح الموظفين والقمع وما إلى ذلك وتدرس بعض الفقرات بعض النتائج الأخرى ومن ضمنها إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي لصالح رأس المال الإحتكاري "الغربي"، وتتضمن هذه الورقة فقرتان – هما الأهم وفق وجهة نظري – بشأن بعض الإستخلاصات وبشأن موقع دول "الأطراف" ( أو "الجنوب العاللمي" ) من هذه الحرب التجارية وبعض الآراء بشأن التعاون الإقليمي بهدف الخروج من حالة التبعية إلى ما يُسمّى "التنمية المُستدامة"...
الآثار الأولى لِارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية
يُعتبر خَفْض الصّين مشترياتها من البضائع والخدمات الأمريكية من النتائج الأولى المباشرة للحرب التجارية الأمريكية، ونشرت وكالة بلومبرغ الأمريكية، يوم الإثنين 21 نيسان/ابريل 2025 تقريرًا يُشير إلى خَفْض الصّين وارداتها من السلع الأمريكية بشكل حاد خلال شهر آذار/مارس 2025، وفي بعض الحالات إلى الصفر، اعتمادًا على بيانات الجمارك الصّينية، بسبب تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وأوقفت الصين مشتريات الغاز الصّخري المُسَال ( الذي كان يُشكل 5% من واردات المحروقات الصينية)، والقمح الذي كان يُشكل 17% من واردات الصين من الولايات المتحدة، وكانت الصين قد فرضت رسوما جمركية إضافية على المنتجات الأمريكية، ردًّا على الحرب التجارية الأمريكية، وتراوحت هذه الرسوم الصينية، خلال شهر شباط/فبراير 2025، بين 10% و15% على واردات الطاقة، ورسوم مشابهة خلال شهر آذار/مارس 2025 على المنتجات الزراعية الأمريكية، وتتوقع وكالة بلومبرغ أن تتراجع مشتريات الصين من السلع الأمريكية بشكل أكبر بعد تصاعد الحرب التجارية في بداية شهر نيسان/أبريل 2025، وتجاوزت الرسوم الجمركية نسبة 100%، وبالإضافة إلى تراجع مشتريات الصين من الحبوب الأمريكية، تراجعت مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأمريكية الأخرىبشكل حادّ خلال شهر آذار/مارس 2025، حيث تراجعت واردات القطن الأمريكية بنسبة 90% مقارنة بشهر آذار/مارس 2024 لتصل إلى ما يزيد قليلا عن 14 ألف طن، وانخفضت واردات الذرة إلى أقل من 800 طن، وهو أدنى مستوى لها منذ شهر شباط/فبراير 2020، في بداية جائحة كورونا وتوقف حركة التجارة آنذاك…
عينة من التأثيرات المباشرة والظاهرة للحرب التجارية الأمريكية.
التّخلّص التّدريجي من السّندات الأمريكية
تُمَوّل الولايات المتحدة اقتصادها وحروبها وإنفاقها العسكري الضخم بواسطة الدّولار وهو عبارة عن ورقة يتم طبعها في الولايات المتحدة ولا يُقابلها إنتاج، وبواسطة طَرْح سندات الخزانة الأميركية – وهي أداة دَيْن – التي تمتلك الصين ثاني أكبر حصّة منها، وأدّت الحرب التجارية إلى تخلّص الصّين التدريجي ( لأن البَيْع المُكثّف يؤدّي إلى انهيار قيمة السّندات) من السّندات الأمريكية لصالح الاستثمار في أدوات الدين والسندات الحكومية الأوروبية واليابانية والذّهب، بالتوازي مع تراجع نصيب الدّولار في استثمارات الأفراد والشركات الصينية، مما أدّى إلى تضرر الأصول المُقَوَمَة بالدولار، لأنها فَقَدَت مكانتها كملاذٍ آمن في أعقاب إعلان دونالد ترامب الحرب التجارية…
تضرّر المُستهلكين
تراجع الطّلب على المنتجات المصنوعة في الصين والتي كانت تُباع بأسعار بخسة في جميع أنحاء العالم، ومن ضمنها الأسواق الأمريكية التي تُمثل حوالي 30% من صادرات الملابس المصنوعة في الصين، بما في ذلك المبيعات بواسطة المنصّات التجارية الإلكترونية، وقد يُؤدّي ارتفاع الرسوم الجمركية، وارتفاع أسعار هذه السلع من الملابس واللُّعَب إلى الهواتف ومختلف الأجهزة الإلكترونية إلى تخلي الشركات الصينية عن السوق الأميركية، والبحث عن أسواق بديلة، مما يتطلب وقتًا إضافيا وتسريح ملايين العمال والعاملات في الصّين. أما في الولايات المتحدة فإن الرسوم الجمركية الإضافية تَرْفَعُ الأسعار وتزيد من نسبة التّضخم، وتؤثّر سَلْبًا على المستهلكين وعلى الشركات في الولايات المتحدة، وفق رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول الذي يُصِرّ دونالد ترامب على إقالته لأنه لا يتفق مع قراراته الإقتصادية والمالية، كما تُؤثّر هذه القرارات سلبًا على حياة الصينيين، وخصوصًا العاملين في مصانع تصدير السلع إلى الولايات المتحدة، وبخصوص تأثير قرارات دونالد ترامب على القطاعات والشركات الأمريكية، وَرَد في الجزء الأول من مقال « من تداعيات الحرب التجارية – 1 » ذِكْرُ تقرير نيويورك تايمز بشأن الأضرار التي لحقت شركة « إنفيديا » وشركات تصنيع الرقائق وأشباه المواصلات، في أمريكا والعالم بما في ذلك شركة تي إس إم سي في تايوان، المَحْمِيّة الأمريكية، وشركة إس كيه هاينكس الكورية الجنوبية، وشركة إيه إس إم إل الهولندية العملاقة للرقائق، وشركة « إنتل »، ذات العلاقات الوثيقة جدًّا بالكيان الصهيوني، وبذلك تحولت شركات تصنيع الرقائق إلى سلاح استراتيجي في الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، ولن تتمكّن الولايات المتحدة من حرمان الصين من التكنولوجيا ولكنها تُؤَخِّرُ وتُبْطِئُ تطورها…
نُمُو الإعتراضات على السياسة الأمريكية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا يوم 27 آذار/مارس 2025، يُشير إلى الدّعوات المُتزايدة الصادرة عن آلاف المواطنين الأوروبيين ( والكَنَدِيِّين) إلى مقاطعة الإنتاج الأميركي ونَشْر قائمة منتجات محلية بديلة، وأصبحت بعض المتاجر الأُوروبية تُشير إلى المنتجات المحلية برموز يسهل على المُتَسَوِّقِين تمييزها، وأدّى انتشار حملات المقاطعة إلى انزعاج مسؤولي الشركات الأمريكية، فقد حذّرت شركة (بيوند ميت)، وهي شركة أغذية نباتية مقرها كاليفورنيا، من احتمال فقدان بعض زبائنها في الخارج بسبب ما أَسْمَتْهُ « المشاعر المعادية لأميركا »، وفي كندا، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة « إمبارير » ثاني أكبر سلاسل المتاجر الكندية، انخفاضًا كبيرًا في مبيعات الشركة من المنتجات الأميركية، مما اضطر الشركة إلى عَرْض المزيد من منتجات الدّول الأخرى. أما شركة تسلا للسيارات الكهربائية المملوكة لإيلون ماسك أحد أهم داعمي دونالد ترامب واليمين المتطرف الأوروبي، فأصبحت مُصنّفة ضمن أكبر المتضررين من مقاطعة المنتجات الأميركية بالخارج، وفي مجال العالم الرقمي ألغى آلاف الأشخاص اشتراكاتهم في منصات أميركية أمثال « نتفلكس » و »ديزني+ » و »أمازون برايم فيديو » وغيرها، وفي مجال السياحة، تراجع عدد السائحين الأجانب في الولايات المتحدة بنسبة 12% خلال شهر آذار/مارس 2025، مقارنة بشهر آذار/مارس 2024، وفق موقع صحيفة واشنطن بوست، وانخفض عدد الحجوزات المسبقة من أوروبا إلى الولايات المتحدة بنسبة 25% وفق شركات الأسفار الأوروبية وأدّى ذلك إلى انخفاض أسهم شركات الطيران عبر الأطلسي، مثل شركة « آي إيه جي إس إيه »، الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية…
مظاهرات داخل الولايات المتحدة
نادرًا ما لاقت السياسة الخارجية الأمريكية مُعارَضَةً داخلية، باستثناء السنوات الأخيرة من العدوان على شعب فيتنام، والأسابيع السّابقة لاحتلال العراق، لكن ارتفعت حدّة الإحتجاجات ضد الحَيْف الطّبقي والإغتيالات العُنْصُرية، وللمرة الأولى اعترض الشباب الجامعي على الدّعم الأمريكي المُطلق للكيان الصهيوني – خلال رئاسة « الدّيمقراطي » جوزيف بايدن – بينما كان الإحتلال الصهيوني يحظى بدعم واسع من المواطنين الأمريكيين بسبب التّضليل الإيديولوجي والإعلامي، وبسبب تشابه نشأة الإستعمار الإستيطاني الأوروبي في أمريكا الشمالية وفي فلسطين…
استمرّ الدّعم المُطلق للكيان الصهيوني واستمرّ القمع السّافر وسحب التمويل العام والخاص للجامعات، وكان تَظاهُرُ الآلاف في شوارع أهم المدن الأمريكية في بداية شهر نيسان/ابريل، ثم يوم السبت 19 نيسان/ابريل 2025، احتجاجاً على الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب، مُفاجأة لمن يعيش خارج الولايات المتحدة، خصوصًا بعد إعلان بعض قيادات النقابات العُمّالية دعم الحرب التجارية التي أعلنها دونالد ترامب، واتخذت هذه المظاهرات اسم « 50501 »، الذي يرمز إلى 50 مظاهرة في و50 ولاية، ضمن حركة مُوَحَّدَة، في الذكرى السنوية الـ 250 لبداية حرب « الاستقلال » الأمريكية ( وهنا تظْهر الشوفينية المُتغلْغِلَة في أذهان معظم أفراد الشعب الأمريكي ) وتجمّع المتظاهرون أمام البيت الأبيض، ومحلات بيع سيارات شركة تسلا في العديد من المدن الأمريكية، وتعكس هذه المظاهرات استطلاعات الرأي التي تُظْهِر عدم رضا الجمهور عن أداء دونالد ترامب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترة رئاسته، والغضب من قرارات خفض الإنفاق الحكومي وخفض الوظائف الحكومية وترحيل المهاجرين، وفق وكالة أسوشيتد برس ( 19/04/2025) ونشرت وكالتا رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية تقارير عن التحركات المعارضة التي انبثقت عن جمعيات ترفع شكاوى قضائية ضد تدابير تتخذها الحكومة الإتحادية برئاسة دونالد ترامب، بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيبه، وتحولت الاجتماعات العامة التي يعقدها النواب الجمهوريون في دوائرهم – عملا بتقليد تسوده عادة روح توافقية – إلى مساحة للتعبير عن الغضب الشعبي حيال دونالد ترامب الذي تم انتقاده طريقة حُكْمِه بإصدار أعداد هائلة من المراسيم الرئاسية وبلبلة التجارة الدولية وتفكيك أجزاء كاملة من الدولة الفدرالية تحت إشراف حليفه الملياردير إيلون ماسك، وغيرها من التدابير، وجرت عدة تظاهرات في الأسابيع الأخيرة عبر الولايات المتحدة، طغت عليها شعارات الإحتجاج على خفض الإنفاق العام…
إعادة هيكلة الإقتصاد العالمي لصالح رأس المال الإحتكاري « الغربي »
إن الطابع الجيوسياسي الحالي للإستفزاز الأمريكي بواسطة الرسوم الجمركية يؤدّي إلى توسيع العدوان – غير العسكري لحدّ الآن – إلى عشرات الدول ( 180 دولة وفق دونالد ترامب)، وعلى رأسها الصين، دون إعفاء الدّول الحليفة، مما يُحتّم إعادة النّظر في أُسس منظمة التجارة العالمية التي تعكس موازين القوى العالمية خلال حقبة العولمة النيوليبرالية، فقد أعلن دونالد ترامب عن ضرورة « استرداد هيبة الاقتصاد الأميركي » ( وهي صيغة أخرى من شعاره الإنتخابي « لنجعل أمريكا قوية من جديد » Make America Great Again – MAGA ) ، والسيطرة على مختلف القطاعات من الرقائق الإلكترونية والهواتف الذّكية إلى الإنتاج الزراعي، رغم الثمن المرتفع، حيث خسرت سوق الأسهم الأمريكية سبع تريليونات دولارا خلال يوْمَيْن، وانخفضت قيمة الدّولار ليُصبح الذّهب ملاذًا آمنا بدل الدّولار وسندات الخزانة الأمريكية، غير إن دونالد ترامب يعتبر إن مُخططاته لها أهداف بعيدة المدى تتضمن إرساء قواعد جديدة للإقتصاد العالمي، فيما تعتبر الصين إنها ليست خصومة تجارية عابرة بشأن المنتجات، بل صراع حول السيطرة على مركز التصنيع العالمي، وأظهرت الصين إنها تسير وفق مخطط مدروس منذ نهاية القرن العشرين، فقد شجّعت حكومة الصين البحث العلمي والإبتكار، وأنفقت أكثر من 679 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية العالمية، أي ما يعادل 9 أضعاف ما أنفقته الولايات المتحدة، وسجّلت، سنة 2023، أكثر من 798 ألف طلب براءة اختراع، أي ضعف ما سجلته أميركا التي تُقدّر حصتها من الصناعات العالمية ب 15% ، فيما تُقدّر حصة الصين ب 30% ، ونتيجة لذلك تضاعَفَ حجم الناتج المحلّي الصيني 15 مرة بين سنتَيْ 2000 و 2023، واتّبعت الصين أُسلوبًا مُغايرًا للولايات المتحدة التي تأسست على جماجم السكان الأصليين وعرق ودماء العبيد الذي نُقِلُوا بشكل قَسْرِي من إفريقيا إلى أمريكا الشمالية، ولذلك لا تمتلك الصين نظِيرًا للأساطيل الحربية التي تجوب البحار أو للقواعد العسكرية الأمريكية التي يفوق عددها ثمانمائة قاعدة حول العالم، وليست للصّين منطقة نُفُوذ استراتيجي كما الولايات المتحدة التي تُهيمن على مناطق استراتيجية تُحيط بالصين ( تايوان واليابان وكوريا الجنوبية…) وفي أمريكا الجنوبية وإفريقيا فضلا عن الهيمنة على قارة أوروبا، لأن الصين تبني شبكة واسعة من العلاقات الإقتصادية فيما يتمثل هدف الولايات المتحدة في السيطرة على العالم بقوة السّلاح والدّولار…
قُدِّرَ حجم التبادل التجاري في السلع بين الولايات المتحدة والصين سنة 2024 بنحو 582,4 مليار دولار، وبلغت الصادرات الأميركية إلى الصين 143,5 مليار دولار، والواردات الأمريكية من الصين 439,9 مليار دولار (أي ما يعادل 16,4% من صادرات البلاد )، ليصل بذلك العجز التجاري لمصلحة الصين 295,4 مليار دولار، لأن الدّوْلتَيْن تنتهجان استراتيجيّتَيْن مختلِفَتَيْن ( في نطاق المنظومة الرأسمالية العالمية ) حيث تخلصت الرأسمالية الأمريكية من الصناعات المُلوثة وذات القيمة الزائدة الضّعيفة والتي تتطلب عمالة كثيفة منخفضة التّأهيل والأُجُور واحتفظت بالتكنولوجيا والقطاعات التي تتطلب مهارات عالية وتُستخرج منها قيمة زائدة مرتفعة، ويمثل شعار خفض العجز التجاري وتقليل الاعتماد على السلع الصينية من خلال فرض رسوم جمركية جديدة عليها، شعارًا (وممارسة) ديماغوجيًّا، لأن رأس المال الأمريكي انتقل إلى الصّين لاستغلال الموارد والعُمال ولبيع الإنتاج بأسعار رخيصة في الدّول الرأسمالية المتقدّمة، مما جعل الصين أكبر دولة مصدّرة في العالم سنة 2024 وبلغت قيمة صادراتها نحو 3,58 تريليونات دولار، بزيادة 5,9% عن العام 2023، فيما بلغت قيمة وارداتها 2,59 تريليون دولار، وتحقيق فائض تجاري تجاوز 822,1 مليار دولار أميركي، وتأتي الإلكترونيات الاستهلاكية في مقدمة السلع الصينية المُصدّرة سنة 2023 إلى الولايات المتحدة، بحصة تبلغ 96 مليار دولار، تليها المنسوجات والملابس بـ 68 مليار دولار، ثم المواد الكيميائية بـ 42 مليار دولار، آلات البناء ومواده بـ 33 مليار دولار، المعدات الكهربائية (باستثناء أشباه الموصلات) بـ 30 مليار دولار، المعادن الأساسية بـ 28 مليار دولار، الأجهزة المنزلية بـ 24 مليار دولار، معدات النقل بـ 24 مليار دولار، الطاقة النظيفة والبطاريات بـ 15 مليار دولار، وأخيرًا الأجهزة البصرية والطبية بـ 12 مليار دولار، وتُصدّر الولايات المتحدة إلى الصين: الحبوب والبذور الزيتية بقيمة 18,5 مليار دولار والنفط والغاز بـ 17,6 مليار دولار والتعليم والوسائل التعليمية بـ 13 مليار دولار والأدوية بـ 11,3 مليار دولار وقطع غيار ومعدات الطيران بـ 6,8 مليارات دولار وأدوات الملاحة بـ 6,8 مليارات دولار والمركبات الآلية بـ 6,1 مليارات دولار وأشباه الموصلات بـ 6 مليارات دولارًا والآلات الصناعية بـ 5 مليارات دولار، ومنتجات اللحوم بـ 4,5 مليارات دولار.
تُقيم الصين علاقات تجارية مع أكثر من 150 دولة، وأظهرت التجربة إن الضغوط الممارسة على الصين منذ سنوات، لم تُحقق النتائج المَرْجُوّة، فقد ارتفع الناتج المحلي الصيني ليبلغ 18,8 تريليون دولارا أمريكيا سنة 2024، وقد تُؤَدِّي السياسة الحمائية الأمريكية إلى ارتدادات عميقة على حركة التجارة الدّوليّة، بناء على بعض المؤشرات مثل اضطراب الأسواق المالية والخسائر التي أعلنتها معظم بورصات العالم، وقد تتغيّر خارطة التحالفات الدّولية نتيجة لتهميش منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية من قِبَل الولايات المتحدة، ليتعزز التحالف بين روسيا والصين ولتَتَعَزّز التحالفات الإقليمية ومجموعة بريكس وأمثالها ضد الدّولة العدوانية المارِقَة المتمثلة بالولايات المتحدة مما قد يُزَعْزِع التوازنات الحالية ويُقوّض النفوذ العالمي للإمبريالية الأمريكية
يعتمد الإقتصاد الأمريكي على السوق الدّاخلية ( الطّلب الدّاخلي ) ويُعْتَبَرُ أحد أقل الاقتصادات العالمية اعتمادًا على الصادرات التي لا يزيد حجمها عن 11% من الناتج المحلي الإجمالي (ثلثها يذهب إلى كندا والمكسيك) مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 30%، لأن الشركات الأمريكية تُوَفِّرُ نصف رأس المال الاستثماري العالمي، وتهيمن على إنتاج ضروريات الحياة مثل الطاقة والغذاء، وتحقق أكثر من نصف الأرباح العالمية في صناعات التكنولوجيا الفائقة، بما في ذلك أشباه الموصلات والفضاء والتكنولوجيا الحيوية، أي ما يقرب من عشرة أضعاف حصة الصين التي تُصدّر إلى الولايات المتحدة المواد الكيميائية الأساسية والأدوية البديلة والمعادن النادرة والرقائق منخفضة الجودة، وتستورد الصّين من الولايات المتحدة وحلفائها المُقرّبين التقنيات المتطورة والطّاقة والغذاء، كما تتمتع الولايات المتحدة بقوة عسكرية استثنائية منتشرة في أرجاء العالم، ولها أكثر من ثمانمائة قاعدة عسكرية ولها اتفاقيات دفاع وأمن ( استخبارات وتجسّس) وخدمات لوجستية مع سبعين دولة، فضلا عن القواعد الضّخمة في أوروبا وآسيا، وزعامة حلف شمال الأطلسي وتحالف التجسس « العيون الخمس » وغير ذلك من التحالفات العسكرية، وهي ميزات لا تتوفر لدى الصين.
من الوفاق الإمبريالي إلى التّفَرُّد بالقرار
يمثل قرار رَفْع الرُّسُوم الجمركية بشكل حادّ تهديدًا لاقتصاد حُلفاء الولايات المتحدة ( دول الإتحاد الأوروبي وأعضاء حلف شمال الأطلسي) وخصومها ومنافسيها وجميع دول العالم، واضطرت الصين إلى الإنتقال من تكتيك المُهادنة إلى التّمَرُّد العلني والفَوْرِي، ولم تَخْتَر الصّين توقيت المُجابهة لكن أجْبَرَها التّحرُّش الأمريكي المُستمر منذ رئاسة باراك أوباما ( 2009 – 2017 ) على الرّدّ، خصوصًا بعد امتلاكها العديد من مُقومات القُوّة الإقتصادية والعسكرية، والتفوق في مجالات البحث العلمي وتطوير تكنولوجيا الإتصالات، وأصبحت الصّين المدافع الأول عن الإقتصاد الرأسمالي الليبرالي، من خلال الدّعوة إلى « عالم مُتعدّد الأقطاب » فيما ترفض الولايات المتحدة تراجع دَوْرِها من الهيمنة المُطْلَقَة ( خصوصًا بعد انهيار جدار برلين والإتحاد السوفييتي، قبل 35 سنة) وزعامة القُطْب الواحد إلى تقاسم النّفوذ مع الصين وحلفائها في مجموعة بريكس، لأن الإمبريالية الأمريكية ترفض التّعامل بِغَيْر « العصا الغليظة »، خلافًا للصّين التي تستغل الموارد ( خصوصًا في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية) بواسطة مصارفها وشركاتها وقُرُوضها دُون فَرْضِ شُرُوط سياسية، ولم تتورّط الصين لحد الآن في العُدْوان العسكري على شعوب البلدان الفقيرة…
تَخَلّت الصين عن الإشتراكية منذ عُقود واعتمدت أُسُس الإقتصاد الرّأسمالي، داخليا بتكثيف استغلال العمال وتهجير صغار الفلاحين، وخارجيا باستغلال ثروات وشُعوب البلدان الأخرى، لكنها سياستها الخارجية تختلف عن الولايات المتحدة وأوروبا ولا تزال في مرحلة جَمْع المُتضرّرين من السياسات الأمريكية، بالتوازي مع محاولات تقويض أركان القُوّة الأمريكية، ومن ضمنها الدّولار الذي يُسيطر على عمليات التبادل التجاري والتحويلات المالية ( منظومة سويفت) وقُرُوض المؤسسات المالية وعلى احتياطيات المصارف المركزية من العملات الأجنبية، غير إن الغطْرَسة الأمريكية والمُبالغة في فرض « العُقوبات » وحصار البلدان والشّعوب، جعلت العديد من البلدان ( ومن بينها مجموعة بريكس) تحاول التّخلّص من هذه الهيمنة، وتُشير بيانات صندوق النّقد الدّولي إلى انخفاض حصة الدولار من احتياطيات المصارف المركزية، من 70% سنة 2000 إلى 58% سنة 2023 ويعتبر ذلك تحوّلا تاريخيا رغم البُطْء الشّديد، يُضاهي كسر احتكار الإمبريالية الأمريكية للتفوق التكنولوجي والعسكري وما إلى ذلك، لكن لا تزال نسبة تفوق 50% من التجارة العالمية ونحو90% من المعاملات المالية الدولية تجري بالدولار، ويتم تحويلها من خلال المصارف المرتبطة بالولايات المتحدة التي تُتِيح لها هذه الهيمنة تهديد الدّول وفرض الحَظْر والحصار و »العقوبات ».
أدّت العجْرَفَة الأمريكية إلى « تَمَرُّد » أوروبا التي تورّطت في كافة جرائم الإمبريالية الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعا مسؤولو بعض الشركات الأوروبية إلى استئناف شراء الغاز الرّوسي ( الذي فرضت الولايات المتحدة مُقاطعته) بدل الغاز الصخري الأمريكي الرّديء ومرتفع الثمن، ووصف بيان البرلمان الأوروبي ( الذي يخضع لمجموعات الضغط ولا يمتلك سلطةً حقيقية ) الإجراءات الحمائية الأمريكية ب »الإبتزاز الإقتصادي »، فيما تتخوف رئيسة منظمة التجارة العالمية من حدوث « كارثة تتمثل في زيادة كبيرة في أسعار العديد من المنتجات وفي انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي « ، جراء الرسوم الأمريكية، وكثف الإتحاد الأوروبي من الإتصلات مع الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، الأعضاء في سوق الجنوب المشتركة (ميركوسور – MERCOSUR )، بهدف توقيع اتفاقية للتبادل التجاري الحرّ، تشمل أكبر منطقة تجارة حرّة عالمياً، تضم الاتحاد الأوروبي ( 450 مليون نسمة) ومنطقة ميركوسور ( 280 مليون نسمة ) وصرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ( الأطلسية والصهيونية )، منذ كانون الأول/ديسمبر 2024: “ليست هذه المعاهدة فرصة اقتصادية فقط، وإنّما هي أيضاً ضرورة سياسية” وإن أوروبا تريد توقيع اتفاقيات تتضمن قواعد واضحة في مجال العلاقات الإقتصادية والتجارة والاستثمار.
ما موقع بلدان « الأطْراف » (الجنوب العالمي)؟
يمكن اختيار قارة إفريقيا كنموذج لبلدان الأطراف الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية، فهي القارة التي لا تنال اهتمام الإمبريالية الأمريكية، باستثناء الموقع الإستراتيجي ولذلك أنشأت الولايات المتحدة خلال فترة رئاسة بوش الإبن القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا ( أفريكوم)، وتمّ إنجاز المُخطط في ظل رئاسة باراك أوباما، وتقوم أفريكوم بما لا يقل عن 350 مناورة وتدريب مع جيوش إفريقيا سنويا، وتعمل الولايات المتحدة على منع المنافسين ( روسيا والصين والهند وتركيا وفرنسا…) من استغلال موارد إفريقيا التي يقدّر أن يرتفع عدد سكانها إلى أكثر من مليار شخص سنة 2050، ورغم الثروات الهائلة تُعاني شُعُوب إفريقيا من الدُّيُون الخارجية ومن الفقر، وتتجاوز معدلات بطالة الشباب في العديد من الدّول الإفريقية 30% وتُعاني معظم بلدان القارة من انهيار البنية التحتية الأساسية ورداءة خدمات الرعاية الصحية والتعليم…
نشرت الولايات المتحدة قواعد الطائرات المُسيّرة في إفريقيا، وجَرّبَ الجيش الأمريكي إرسال وحدات استطلاعية سريعة لتنفيذ الإعتداءات والتّدمير عن بُعْد، والانسحاب دون التعرض لخسائر، ولم تسلم قارة إفريقيا من الحرب التّجارية ومن الرُّسُوم الجمركية الإضافية
أقرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية يوم الثاني من نيسان/ابريل 2025 بنسب تتراوح بين 10% إلى 49% على جميع الواردات الأمريكية، مع رسوم إضافية أخرى على الصّين وبعض الدول، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإلى الرّكود الإقتصادي، ولم تَسْلم 184 دولة وجزيرة وإقليم، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ولم تسلم دويلات الخليج النفطية من رُعونة دونالد ترامب، لأن الركود يؤدّي إلى انخفاض الطّلب على النّفط وإلى انخفاض أسعاره، فيما ترتفع أسعار السلع الأخرى – ومن بينها الغذاء والدّواء – التي تشملها الرّسوم الجمركية، وسوف يتضرّر اقتصاد مصر والأردن ( رُوّاد التّطبيع) وجميع البلدان العربية الأخرى، مثل السودان ولبنان واليمن والسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعُمان وسوريا والعراق والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا وجزر القمر، وتراوحت الرسوم بين 20% ( الأردن) و 41% ( سوريا) وتراوحت الرسوم على سلع البلدان العربية الأخرى بين هاتيْن النّسْبَتَيْن، وتجدر الإشارة إلى بلوغ فائض تجارة السلع الأمريكية مع مصر 3,5 مليار دولار ومع السعودية 443,3 مليار دولارا ومع الإمارات 19,5 مليار دولارا سنة 2024، بحسب بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، وسوف تُؤدّي الحرب التجارية إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات التي تستوردها الدول العربية، وسوف تكون الإمارات والسعودية والكويت الأشد تضرراً من القرارات الأمريكية، بحكم ارتفاع حجم تعاملاتها التجارية مع الولايات المتحدة، وعمومًا يُعتَبَرُ حجم الصادرات الأمريكية للدول العربية الأخرى صغير جداً مقارنة بالصين والاتحاد الأوروبي.
في إفريقيا، بلغت التعريفات الجمركية الأمريكية على منتجات « ليوسوتو » 50% فيما كانت أقل بالنسبة للدول الإفريقية الأخرى، وشملت الرسوم المنسوجات والمعادن والجلود، مع إلغاء « الامتيازات الضريبية » التي كانت سارية المفعول منذ سنة 2000، وسوف يتضرر اقتصاد « ليوسوتو » الذي تتجه نسبة تزيد عن 90% من صادراته من الملابس نحو الولايات المتحدة، ويشغل القطاع نحو 45 ألف عامل، معظمهم من النساء، كما سوف يتضرر اقتصاد مدغشقر وجزيرة موريشيوس من الرسوم الأمريكية التي تجاوزت نسبتها 40%، وبلغت الرسوم على صادرات أنغولا إلى الولايات المتحدة 32%، وصادرات جنوب إفريقيا 30%، وتراوحت الرسوم المفروضة على صادرات نيجيريا وكينيا والحبشة وغانا بين 10% و 14%، وأثارت الرسوم الجمركية الجديدة على بعض السلع الإفريقية موجة من التساؤلات حول دوافع وجدوى وتداعيات هذه القرارات – أحادية الجانب – على اقتصادات القارة الإفريقية وقد تُعيد رسم خريطة العلاقات التجارية بين إفريقيا وأمريكا، وتدفع الدّول الإفريقية إلى تعزيز العلاقات فيما بينها ومع الصين والاتحاد الأوروبي…
في آسيا بلغت الرسوم المفروضة على إنتاج كمبوديا 49% و »لاوس » 48% وفيتنام 46% كما فرضت الولايات المتحدة رسومًا إضافية على العديد من الدول الآسيوية مثل ماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وتايلاند وتايوان
وجب استغلال الرسوم الجمركية الأمريكية للتفكير في إستراتيجيات اقتصادية تُحقّق التنمية المُستدامة وعدم الإقتصار على تصدير المعادن والمحروقات والمواد الخام، والتعاون الإقليمي من أجل خلق صناعات تحويلية وتلبية حاجة المواطنين في مجالات الأغذية والأدوية والرعاية الصحية والطاقة وغيرها، وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي أو الآسيوي أو الإفريقي وزيادة التجارة البينية وتنويع الشراكات الإقتصادية مع البلدان التي لا تفرض شُرُوطًا سياسية ، والإستثمار المُشترك في مجالات البنية التحتية ( الطرقات والسكة الحديدية والموانئ ) والتكنولوجيا والتّأهيل…
تبحث جميع الدّول – الحليفة والمنافسة و »المُحايدة » – عن بدائل للحدّ من التبعية للولايات المتحدة وعملتها ( الدّولار) لأن الحرب التجارية تؤدّي إلى زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وانخفاض الدّخل الحقيقي للأفراد وقد تؤدّي إلى انخفاض حجم الناتج الإجمالي العالمي، وتُعرقل الإستثمار، خصوصًا في البلدان الفقيرة التي تحتاج إلى تنشيط الإقتصاد وتنويع وزيادة الإنتاج لتلبية احتياجات المواطنين ولخلق فُرص عمل، ولا يمكن التّعويل على أي طرف خارجي ( لا الصين ولا الإتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة) لتحقيق هذه الأهداف، مما يُؤكّد ضرورة خلق أُطُرٍ خاصة بالبلدان الفقيرة ( بلدان « الأطْراف » الواقعة تحت الهيمنة الإمبريالية) وتعزيز التبادل بينها، وخلق أُطُر ومؤسسات ديمقراطية داخل كل بلد تُمكّن المواطنين من الإدلاء برأيهم ومن المُشاركة في عمليات اتخاذ القرارات ( السياسية والإقتصادية) ذات الصبغة الآنية والمُسْتَقْبَلِيّة، وتنفيذ تلك القرارات ومتابعة إنجازها وتقويمها…
الطاهر المعز