سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية، وذو النزعة الإجرامية بامتياز بقلم رنيه نبعة
يقول سقراط: » روح بلا ذاكرة تُدان مراراً وتكراراً « .
أهدي هذه المقالة لجورج إبراهيم عبد الله، نقيض قائد الميليشيات المسيحي.
يمثل كل من جورج إبراهيم عبد الله وسمير جعجع الوجهين النقيضين للبنان. يجسد الأول المناضل الشيوعي من أجل القضية الفلسطينية بوجهه المجيد الكرامة الوطنية اللبنانية؛ ويجسد الثاني التابع الوفي للإسرائيليين ثم السعوديين الوجه البشع لهذا البلد وحثالته وقذارة مجاريه.
كلاهما ماروني وأصله من شمال لبنان. وهذا دليل قاطع على أن الانتماء الديني لا يُنبئ بالخنوع وإنما الاستعداد الفكري هو من يحدد وضعية الاستقامة أو الزحف بحسب اختيار الفقاريات أو طأطأة الزواحف.
نستنتج من كل ذلك أن جورج إبراهيم عبد الله رجل عقيدة وشخصية عابرة للحدود، عربي أصيل. وأن سمير جعجع عميل يتخفى خلف رايات مموّهة بخطاب سياديّ.
ننشر هذا المقال بتاريخ 7 شباط، ذكرى مار مارون راجين منه أن يحثّ رعاياه الموارنة من السياسيين على أن يتجاوزوا فسادهم الإجرامي ويوقفوا حربهم العبثية من أجل صالحهم وصالح بلدهم لبنان.
القياس المنطقي الدائري للدول الغربية
يعيش لبنان منذ نهاية حكم العماد ميشيل عون في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، فراغاً رئاسياً وذلك بسبب غياب توافق القوى السياسية اللبنانية على خليفة له.
أحد المرشحين لمنصب الرئاسة هو سليمان فرنجية حفيد رئيس الجمهورية اللبنانية السابق وحامل اسمه.
تتمتع هذه الشخصية بدعم الكتلة النيابية الشيعية مما يجعلها في مواجهة مع المعارضة المتعنتة المتمثلة بالكتلة النيابية المسيحية المدعومة من البلاد الغربية التي تعتقد بناء على القياس المنطقي الدائري لتلك الدول، بأن وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة وهو المعروف بقربه من سوريا، سيكون نصر لإيران أحد ارتداداته مما سيشكل هزيمة لكل من لحلف الشمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا لصالح روسيا ولإسرائيل في غزة لصالح حماس.
والغريب في هذه المنافسة هو أن سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية (الفصائل المسيحية) يستعمل حق النقض ضد انتخاب سليمان فرنجية وهو، أي سمير جعجع، المسؤول الأول وشبه الوحيد عن القضاء على أفراد عائلة منافسه فرنجية في شمال لبنان؛ أليس هذا مؤشر لا لبس فيه على الشذوذ العقلي الذي يمنح الجاني حق التحكم بضحيته؛ ومؤشر لا لبس فيه أيضاً على الانحراف السلوكي للغرب الذي ينصّب أكبر مجرم في تاريخ لبنان كناخب أكبر لبلد شارك هو نفسه في تدميره!
لنلقِ نظرة على هذه الشخصية الشريرة.
هو ابن ضابط صفّ في الجيش اللبناني، كان يعيش في عين الرمانة، إحدى ضواحي بيروت المسيحية. كان أقسم منذ ولادته على تغيير ظروفه المتواضعة فراح يحلم بالجلوس على عرش زعيم الطائفة المارونية التي تملك مقاليد السلطة، بحسب التوزيع الطائفي لها في لبنان.
ومنذ ذلك الحين، صوّب سمير جعجع سهام طموحه إلى منطقة الأشرفية البرجوازية ومعقل سلطة الطائفة المارونية التي تعلو الهضبة المطلّة على بيروت وكأنها بفضل موقعها الجغرافي تسخر بازدراء من قريته الشعبية. ما يفسّر لنا كل ما قام به في مسيرة حياته منذ التحق بالعمل المسلّح.
إنه كائن مزدوج التناقضات، كائن لا يعرف لا الانسجام ولا العقلانية ولا حتى الإنسانية. هو كائن مصاب ليس بجنون العظمة وإنما بالتهاب حادّ في تضخّم الجمجمة أو كما يقال، بمتلازمة العنجهية.
هو الانضمامي وهو من حفر قبر الزعامة المسيحية، هو المنادي بالسيادة بأي ثمن وهو المتطفّل على الدولتين الثيوقراطيتين في الشرق الأوسط والنظامين المتعارضين في لبنان: إسرائيل خلال الحرب اللبنانية (1975-1990) والسعودية منذ نهاية تلك الحرب.
وصل سمير جعجع إلى راس الهرم ليصبح زعيم الفصائل المسلحة في سياق من العنف المتفاقم مستفيدا من مقنل سلفيه بشير الجميل، مؤسس حزب » القوات اللبنانية » وخلفه الياس حبيقة، اليد المنفّذة لفعل إسرائيل الخسيس أي مذبحة فلسطينيّي مخيم صبرا وشاتيلا، الواقع في الجنوب الشرقي لبيروت عام 1982.
تسلّق هذا الدموي المنحطّ المتخلّف المتهوّر سلّم الزعامة على أرض مفروشة بجثث أعدائه الفعليين أو المحتملين أو حتى الافتراضيين، حاصداً في طريقه اللقب غير المشرّف « حفار قبر الزعامة المسيحية « .
وعلينا ألا نُخدع بلقبه: فهو يستعير من علم البرمائيات بقدر ما تستعير شخصيته من التناقض. » الحكيم » اسمه الحربي والذي يعني أيضاً الطبيب. لكنه لم يكن يوماً حكيماً في تصرفاته الحربية ضارباً عرض الحائط بكل المعايير ولا طبيباً حيث لم يحصل على الشهادة الجامعية. وهنا بداية التزوير.
هو الذي كان من المفترض أن تجعله دراسته الجامعية يتصرّف بإنسانية، فاتضح أنه الزعيم العسكري المجرّد من كل إنسانية، هو المسؤول عن قتل عائلة فرنجية عام 1978 حيث لم يُبقٍ على حجر ولا بشر من تلك العائلة الكبيرة من شمال لبنان وهم جيرانه ولا حتى طفلة الثلاث سنوات وكلب حراسة.
وها هو يعاود الكرّة في عام 1980 ويعلن الهجوم على معقل خلفه الآخر قائد فصائل « حزب الوطنيين الأحرار » داني شمعون في فقرا، تلك المنطقة الجبلية فيجرف الأرض بدماء القوات المسيحية حليفته في الائتلاف نفسه. وفي تموز من عام 1983 يعلن المعركة ضد الفصائل الدرزية في منطقة الشوف التابعة للزعيم وليد، ابن كمال جنبلاط وخليفته، رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وزعيم الطائفة الدرزية. نتج عن هذه المعركة تدمير ما لا يقل عن 60 قرية وتهجير حوالي 250 ألف مسيحيا من سكان الشوف وبهذا أنهى سمير جعجع حقبة قرن من التعايش والوفاق بين الطائفتين الدرزية والمسيحية في تلك المنطقة. التداعيات نفسها حدثت في صيدا المدينة الهامة في جنوب لبنان، وفي زحلة مركز لبنان، عام 1985.
إنها لحصيلة بائسة لحامل شعار الدفاع عن المسيحيين الموارنة المضطهدين حيث قضى منهم على يديه أكثر من الذين قضوا على أيدي خصومه.
اللائحة تطول، ففي عام 1988، أواخر حقبة رئاسة أمين الجميل، أصبح سمير جعجع يتربع على رأس أكبر آلة حرب متمرسة. فبدأ مواجهته مع العماد ميشيل عون، القائد ورئيس الوزراء المؤقت ليستنزف بها آخر ما تبقى من رمق للمعسكر المسيحي، فيأخذ العماد ميشيل عون طريق المنفى نحو باريس لمدة 15 عاماً ويأخذ الآخر طريق السجن ليرزح في زنزانته 10 سنوات تقريباً.
وقبل دخوله السجن، وسّع سمير جعجع دائرة حربه ضد خصومه في المعسكر الفلسطيني التقدمي، كالشخصية السياسية اللبنانية من الصف الأول الوزير رشيد كرامة، ثم حاول بدون نجاح تصفية السياسي اللامع بلا منازع في النادي السياسي نفسه، نجاح واكيم جسدياً لكن محاولته باءت بالفشل.
بالرغم من كل ذلك، فقد اعترض نجاح واكيم، هذا السيد النبيل على سجن سمير جعجع كما اعترض على نفي العماد ميشيل عون، خشية منه على أن تقع عملية ردة فعل ترسّخ لدى المعسكر المسيحي الشعور بالاضطهاد مما يجعل المسيحيين يتقوقعون حول زعيميهما المهزومين فيتولّد لديهم بشكل نهائي الإحساس بالإحباط مما قد يهدد السلم الاجتماعي بين الطوائف.
يأتي مقتل رئيس الوزراء رفيق الحريري في شباط من عام 2005 ليقلب الطاولة على كل النزاعات القديمة بين زعماء الحرب القدماء وداعميهم الماليين: وليد جنبلاط وسمير جعجع وأمين جميل وسعد الحريري.
لإن أدى هذا الحدث أي مقتل رفيق الحريري، إلى إطلاق سراح سمير جعجع وقانون عفو مُغيّب للذاكرة، لكن هذا التحالف غير المتجانس وبلا رصيد، سيشكل نقطة ضعف في النظام الغربي الهادف إلى الحفاظ على السلطة في لبنان في حضنه.
يمثل سمير جعجع حالياً شخصية مزعجة ومكدّرة للمعسكر الغربي، فهو الزعيم المحكوم عليه بجرائم القتل والمعفو عنه بدون تبرئته؛ كما يمثل نقطة الخلاف بين المملكة العربية السعودية المانحة له وحاميها الأمريكي على كل الخطوات السياسية التي لم توافق عليها العائلة الوهابية.
سمير جعجع هو الناجي الوحيد من مذبحة صبرا وشاتيلا في حين أن المنتصر الأخلاقي فيها قد يكون سليمان فرنجية الناجي من مذبحة عائلته بأكملها.
في هذا البلد الذي تحوّل إلى مقبرة ضخمة، سيقوم سليمان فرنجية الذي رقدت عائلته على سرير الاختبار في مجزرة صبرا وشاتيلا بكبح جماح حشراته الحربية فيمنح العفو عن كل الإهانات ليصبح بذلك الزعيم اللبناني الوحيد صاحب هذا الفعل الأخلاقي النبيل، ويُظهر كالنار على علم نذالة قاتل عائلته.
ولد سمير جعجع عام 1952 فهو في خريف عمره، يقيم حاليا في معراب مركز ما بقي من منطقة كسروان المسيحية (جبل لبنان). ما يضعفه هو غياب وريث طبيعي وأفول مشروعه السياسي وخوفه أن يصبح تحت رحمة ضربة القدر المشؤومة.
صحيح أن هذا الرجل المُميت العقيم بلا ندم ولا صحوة ضمير، قد نجا من عدالة الأرض؛ لكنه وحيد في مواجهة أفعاله وأشباحه، تعوقه جرائمه وخطاياه التي لا تغتفر سيكون من الصعب عليه أن ينجو من عقاب التاريخ. فبلا أدنى شكّ ستكون العين في القبر لتنظر إلى قابيل.
للقراءة عن الفصائل المسيحية خلال الحرب اللبنانية:
https://www.renenaba.com/chretiens-dorient-le-singulier-destin-des-chretiens-arabes-2/
ليست الطائفة المارونية إلا الطائفة الأهم في مسيحييّ لبنان لا في مسيحييّ الشرق، لكن فرنسا بحكم انتدابها على لبنان وسوريا قد أوكلت للطائفة المارونية مكانة الممثل الوحيد لمصالح المسيحية العليا في الشرق مختزلة بذلك تلك المصالح في الكنيسة المارونية ومستبدلة المسيحية بالمارونية لتصبح هذه الطائفة السيدة الأولى في لبنان بالرغم من أنه كان عليها كسلطة مسيحية وحيدة في العالم العربي أن تمارس تلك السلطة بتفويض من الطوائف المسيحية العربية الأخرى.
إليك هذا الرابط عن الطائفة المارونية:
عن الحرب اللبنانية:
عن فريق الميليشيات المسيحية خلال الحرب اللبنانية:
https://www.renenaba.com/chretiens-dorient-le-singulier-destin-des-chretiens-arabes-2/
عن تجّار السلاح في الحرب اللبنانية:
ترجمته سناء يازجي خلف
أستاذة في اللغة العربية في فرنسا