عشر سنين من الحرب على سوريا–رنيه نبعة
رنيه نبعة صحفي مقيم في فرنسا–ترجمة سناء يازجي خلف، جامعية وأستاذة اللغة العربية
إليكم سجلّ وقائع عقد من الزمن (2011-2020) بدون أدنى تصرّف.
رنيه نبعة.
ينتهي عقدان زمنيان كارثيا، عقدان شهدا تدمير عاصمتي الخلافة العربية: بغداد عاصمة الخلافة العباسية في عام 2003ودمشق عاصمة الخلافة الأموية في عام 2013. وذلك بفعل تحالف مشيخات البترول الخليجية مع القوى الأطلسية، تحالف مضاد للطبيعة قام بين الأنظمة الأكثر رجعية في العالم و » الديمقراطيات الغربية العظمى « ، تحالف إسلامي-أطلسي. وذلك بدون أي فائدة لا للعرب ولا للمسلمين وإنما فقط خدمة لعروش منبوذة. لتصبح بذلك روسيا وإيران مركز الثقل في صراعات الشرق الأوسط قوتين إقليميتين عظميين في وجه عالم عربي متفكّك لم يبق منه سوى أطلال.
- حصيلة عقدين:
الحصيلة بيّنة: فالحروب الستة « القذرة » في عصرنا هذا وقعت جميعها في فضاء تنظيم المؤتمر الإسلامي (سوريا، العراق، أفغانستان، الصومال، اليمن، ليبيا) أوصلت أكثر من 600 مليون طفل مسلم إلى الجوع والمرض والحرمان من التعليم، وبلغت نسبة الوفيات لدى الأطفال في 12 بلد مسلم أعلى نسبة في العالم ووصلت نسبة الأطفال المحرومين من التعليم في 17 بلد مسلم إلى 60%. (كما ورد على لسان رئيس المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان، هيثم المناع في كتابه » المقاومة المدنية، مساهمة في المناعة الذاتية عند المجتمعات » – SIHR 2، طبعة عام 2015).
نشرت الأمم المتحدة في 2 كانون الأول من عام 2020، عبر منسقها للمساعدات الإنسانية الدولية في سوريا، على الزعتري، الأرقام التالية: » في عام 2020، عشر دول عربية تعاني من أزمة إنسانية خطيرة هي: العراق، الأردن، لبنان، ليبيا، فلسطين، الصومال، السودان، سوريا اليمن، تونس.
في عام 1948، كان العالم العربي يستضيف لاجئين من جنسية واحدة وبعد 72 عاماً، أصبحت غالبية اللاجئين من عدة جنسيات عربية من فلسطينيين وسوريين وعراقيين وصوماليين وسودانيين ويمنيين وليبيين، إلخ.
يعتمد 60 مليون شخص على المساعدات الإنسانية وتقدر ب 11 مليون دولاراً دُفع نصفها حتى الآن. سيصل عدد المحتاجين إلى تلك المساعدات في عام 2021، إلى 64,5 مليون شخص، أي بازدياد 4،5 مليون خلال سنة واحدة.
يقدّر عدد اللاجئين السوريين في البلاد المجاورة لسوريا (لبنان، الأردن، العراق، تركيا) بعشرة ملايين شخص يحتاجون إلى 6 مليارات
دولار، دُفع منها فعلياً 2 مليار فقط
.
ميزانية التسليح:
في المقلب المعاكس، ترتفع ميزانية التسليح في البلاد العربية إلى 165 مليار دولاراً، بحسب ما أعلنه السيد الزعتري المذكور أعلاه مستنداً إلى تقرير » Global Fire power.com «
وفق الترتيب التالي:
العربية السعودية، الزبون رقم 3 في شراء الأسلحة في العالم (67.5 مليار دولار). الإمارات العربية المتحدة (22.7 مليار دولار)، الجزائر (13 مليار دولار)، مصر (11.2 مليار دولار)، المغرب (10مليار دولار)، سلطنة عمان (8.6 مليار دولار)، الكويت (6.8 مليار دولار)، قطر ( 6مليار دولار)، ليبيا (3 مليار دولار)لبنان ( 2.5 مليار دولار)، السودان (2.4 مليار دولار)، سوريا (1.8 مليار دولار)، العراق (1.7 مليار دولار)، البحرين (1.4 مليار دولار)؛ وتجدر إضافة كل من تونس والصومال وموريتانيا إلى القائمة.
وللقارئ العربي الراغب في مزيد من التفاصيل هذا الرابط:
حصيلة الإرهاب:
توزعت ضحايا الإرهاب في عام 2010 بين عشر دول، بينما بلغت عدد الدول بعد خمس سنوات إلى 151 دولة.
- بلغ عدد التنظيمات الإرهابية 1812 تنظيماً على امتداد تلك الدول، استطاعت أن تجنّد في صفوفها 13 مليون شخصاً، في حين يبلغ بالتوازي معهم عدد الأشخاص الذين يُظهرون تأثراً بنفوذها 80 ميلون آخرين.
- 23% من الشباب في العالم الذين هم نبض البشرية، هم على استعداد للانخراط في أعمال إرهابية، كنتيجة لحالة الاكتئاب والفقر أو بكل بساطة بحثاً عن قضية ما.
- 33% من الشباب في العالم معرّضون لردود فعل عنيفة لها علاقة بالإرهاب لاعتبارات أصولية أو دينية أو عرقية أو قومية أو ببساطة للدفاع عن النفس.
بلغت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الإرهاب منذ بداية القرن الواحد والعشرين 5 تريليون (5 آلاف مليار) دولاراً. حيث يكفي هذا الرقم وحده لحلّ 65% من حالات البطالة على مساحة الكرة الأرضية. لقد كلفت الحرب على الإرهاب بين عامي 2011-2014، 22 تريليون دولاراً.
إليك الرابط التالي للمزيد من التفاصيل:
Le terrorisme en chiffres – Madaniya
يبدو هذا المشهد غنيّاً عن التعليق؛ يضاف إليه هشاشة الاقتصاد، والتهميش والعزلة الاجتماعية، والتنميط العنصري، والانحراف
الأخلاقي، والاستقطاب الديني؛ بالتزامن مع ما يحدث في السجون من نشاط للمجموعات على الأشخاص الضعفاء مما يشكّل عوامل كثيرة تؤدي إلى تخبّطهم لا بل استمالتهم…إنها الديماغوجية (الخداع السياسي) واستخدام الإسلام كسلاح للنضال ضد الإلحاد السوفييتي (أفغانستان 1980-1989)، ثم ضد البلاد العربية العلمانية (ليبيا-سوريا) بالتواطؤ مع الغرب (2011-2014). أدت كل هذه العوامل بعد ربع قرن عاصف، إلى خلق كائنات هجينة تائهة عن الإسلام وتائهة عن الجمهورية، كائنات جهادية منحدرة من سلالة المنحرفين، مجانين الله وأشباح الجريمة.
ما سيحفظه التاريخ في ختام هذا المشهد أن راكبي الجمال في الخليج، وحرّاس الشواطئ من القرصنة، أصابوا العالم العربي بداء التخلف المزمن من أجل بقائهم على العروش؛ وأن زعماء السنة (مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والسودان بتواطؤ مقنّع مع المغرب والسعودية) قد باعوا فلسطين لكيان إسرائيل بثمن بخس متعرّين من كل إحساس بالشرف؛ وأنّ « الديمقراطيات الغربية العظمى » (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة) هم عرّابو هذه الصفقة محتقرين بذلك كل مبادئهم المعلنة، وهم الحاضنون الفعليون للإرهاب الإسلامي، مسبّبين بذلك ارتدادات قاتلة لهذا الإرهاب على أراضيهم ومفتعلين مشاعر قوية معادية للإسلام في كل الفضاء الغربي.
ليس من مهمة صاحب الجنسية المزدوجة أن يكون المتحدث الرسمي باسم بلده المضيف لكن أن يكون صلة الوصل فيتحمل مسؤولية ذلك بشجاعة وحس نقدي، أن يكون يقظاً ضد أي تجاوز يلحق الضرر سواء ببلده الأصلي أو ببلده المضيف. ففي مصلحة الطرفين أن تقوم شراكة بين الانتماءين على أساس المساواة لا التبعية للمستعمر القديم فيصبح من خلالها مساعده أو منفذاً لأوامره.
وبالطريقة ذاتها، على المفكّر التقدمي درء الإسلام عن التقدمية، لا جعل التقدمية تستسلم لإسلام بدائي لا يتطور بل يخضع للهيمنة الأميركية- إسرائيلية.
أما الطبيب النفسي العربي فعليه أن تكون أولويته تفسير تلك التبعية الفريدة لحاملي الجنسية الفرنسية من السوريين التي جعلتهم يسخّرون أنفسهم لصالح بلدين (فرنسا وتركيا) كانتا سبب سلخ لواء إسكندرونة عن بلدهم الأصلي(سوريا).
ليس قدر العرب أن يكونوا « حركيين » أبداً ودائماً ولا أن يسخّروا تفكيرهم في خدمة استراتيجية أسيادهم الغربيين.
لم يشهد التاريخ قط مثل هذه الانتكاسة الفكرية في خضمّ تحوّل استراتيجيّ بهذه الأهمية كما يحدث في الزمن الراهن، سيدفع العرب والمسلمون ثمنها باهظاً ولأمد طويل.
يقدّم لنا رنيه نبعة، مدير موقع https://www.madaniya.info والمسؤول السابق عن العالم العربي-الإسلامي في القسم الديبلوماسيّ في الوكالة الفرنسية للأنباء AFP، هذا التأريخ لعقد من الحرب على سوريا كوثيقة شهادة على انحراف الطبقة السياسية الفرنسية، والكذب الإعلامي للطبقة الأكاديمية، ولانحراف فرنسا وتخلّيها عن بقعة جغرافية هامة كانت في زمن ما نقطة ارتكازها التقليدية، وأخيرا هو شهادة على التشرذم العقلي لقيادات المعارضة السورية الخارجية التابعة لمشيخات النفط.
إنه قراءة عكسية للرؤية الأوروبية للاتحاد الأوروبي.
——