دَوْر الإمبريالية في دَعْم الكيان الصّهيوني مُ:شاركة القوى الإمبريالية في العدوان- الطاهر المعز
يُشكّل الإستعمار الإستيطاني في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندة نُموذجًا للكيان الصّهيوني، فهي دُوَلٌّ تأسّست فوق أراضي الشّعُوب الأصلية التي تمّت إبادتها، وافتكاك أراضيها وأوْطانها، وتأسيس نظام رأسمالي يَدّعِي تطبيق الدّيمقراطية، رغم إقصاء السّكّان الأصليين، وبخصوص الولايات المتحدة بالذّات، نشأت على المجازر والإبادة الجماعية والإستيلاء على أراضي ووطن السّكّان الأصليِّين ثم على العبودية التي سَرّعت عملية التّراكم الرأسمالي الرّخيص، وتم « تحرير العبيد » لما تطوَّرَ القطاع الصناعي في ولايات شمال الولايات المتحدة، وكان قطاع الصناعة في حاجة للعمالة الرّخيصة والمُتمَثِّلَة في العبيد المُحَرّرِين الذين كانوا مُستعِدِّين للعمل بأجر زهيد لكي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة، وكذا نشأ الكيان الصهيوني الذي لا يزال يرتكب المجازر ويحاول تهجير من تبقى من الفلسطينيين في وطنهم، من خلال الحصار والتجويع وتدمير المباني وتجريف الأراضي الزراعية، ويتجاهل التاريخ الرسمي والإعلام والإشهار المجازر أو يُنْكِرُها، ويدّعي إن الولايات المتحدة (وجميع الدّول الإمبريالية) بلد الدّيمقراطية والحقوق والحرية والمساواة، غير إن الجميع يُلْقِي بهذه المبادئ في سلّة المُهملات، عندما تَشُنُّ الولايات المتحدة وحلفاؤها العدوان تلو الآخر على شعوب أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان العربي في لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، حيث يتم قتل المَدَنِيِّين والأطفال بالأسلحة الأمريكية.
يختلف الكيان الصهيوني بإنكار وجود شعب فلسطيني وبرفْضِ الحركة الصهيونية تشغيل الأغْيار أي غَيْر اليهود أو « الغُويِيم ».
الكيان الصهيوني صنيعة للإمبريالية الغربية، بريطانيا وقوى امبريالية غربية أخرى، مثل ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وجنوب أفريقيا وروسيا وفنلندا وأمريكا الجنوبية….
انضم نحو 3600 متطوع من ثلاثين دولة، خلال حرب 1947/1948، بينهم أكثر من ألف أميركي وكندي (مرتزقة)، إلى صفوف ميليشيات البلماح والهاغاناه الإرهابية التي اندمجت لتولد جيش الدولة الصهيونية على أرض فلسطين سنة 1948، وقُدِّرَ عَدَدُ العناصر الأجنبية في بداية العام 1949 بألف وثلاثمائة مرتزق « مُتَطَوِّع » من الولايات المتحدة و250 من كندا و800 من جنوب أفريقيا و600 من بريطانيا و250 من شمال أفريقيا (التي تحتلها فرنسا) و 250 من كل من أمريكا الجنوبية وفرنسا وبلجيكا، بالإضافة إلى عدد غير معروف من أستراليا والكونغو االذي كانت تحتله بلجيكا ومن روديسيا ( الإسم الذي أطلقه المُسْتَعْمِرُون البيض على زمبابوي الحالية) وفنلندا وروسيا، بحسب إلياهو بيرغمان (1927 – 2005)، رئيس منظمة “قدامى المحاربين الأمريكيين من أجل إسرائيل”، » وأكّد « معهد جابوتنسكي » هذه التّقديرات، وقد أوْفَدَتْهُم الحركة الصهيونية، يهودًا وغير يهود، من 37 دولة لدعم الدولة اليهودية الجديدة التي أعلنت نفسها في وطن الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يُقاوم الدولة الصهيونية وكذلك الإمبريالية التي أنشأت ودعمت الإحتلال، كما يُقاوم الأنظمة العربية الرجعية التي تواطأت مع الإمبريالية والصّهيونية، ولا يزال الشعب الفلسطيني يتعرّض اليوم في غزة (منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023) لهجوم وَحْشِي ودَمَوِي، من قِبَلِ عَدُوٍّ تدعمه كل وسائل الإعلام وجيوش العالم، بما في ذلك خمسة آلاف جندي من الأسطول السادس الأمريكي.
في جبهة الأعداء
حَضَرَ رؤساء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ورؤساء حكومات عديدة إلى تل أبيب لإشْهار الدّعم العلني والمُطلق للعدوان الصهيوني وأعلنت سُلُطات معظم الدّول الأوروبية – بما فيها سويسرا التي تَدَّعِي الحياد والتي يُشكّل اليمين المتطرّف طرفًا أساسيا في حكوماتها منذ سنوات عديدة – حظْر مجمل أشكال التّضامن مع الشعب الفلسطيني (اعتصامات ومظاهرات ومحاضرات…) وروّجت وسائل الإعلام الرّواية الصهيونية للتاريخ وللأحداث الماضية والحاضرة، وفي الولايات المتحدة أعلن المتحدّث باسم البيت الأبيض (جون كيربي) يوم الخميس 30-11-2023، دعم أي قرار يتّخذه الكيان الصهيوني، وتجسيدًا لهذا الدّعم المُطْلَق أَدّى وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن ) أربع زيارات مُعْلَنَة إلى فلسطين المحتلة، وشارك في الإجتماع الوزاري الصهيوني المُضَيّق (الخميس 30/11/2023 ) كدليل على إشراف الولايات المتحدة على مخططات العدوان على الشعب الفلسطيني، بأسلحة أمريكية، إذْ أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الجمعة 01 كانون الأول/ديسمبر 2023 معلومات عن حصول جيش الاحتلال الإسرائيلي على مئات آلاف من الذخائر والقنابل الأمريكية التي تزن كلٌّ منها طُنًّا واحدًا والقادرة على اختراق الأنفاق وللملاجئ، مما يجعل الإمبريالية الأمريكية (والأوروبية) طرفًا مُباشرًا في العدوان على الشعب الفلسطيني…
في أوروبا، وفضلاً عن الدّور البريطاني في احتلال فلسطين وفي تأسيس الكيان الصّهيوني، تلعب السلطات الحاكمة – وخصوصًا سلُطات ألمانيا وفرنسا – دَوْرًا أساسيا في دعم العُدْوان الصهيوني وتعدّدت زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى تل أبيب للتعبير عن الإنحياز العَلَنِي ودعم العدوان ومن بينهم المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني ووزيرة الخارجية تها، ووزيرة الحرب السابقة التي أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية التي أعلنت « وقوف أوروبا إلى جانب إسرائيل، ودَعْم حقّها في الدفاع عن نفسها وفي محاربة الإرهاب »، وأثارت تصريحاتها المُغالية في العنصرية وفي دعم العدوان الصهيوني مُوظَّفِي الإتحاد الأوروبي الذين نشر أكثر من ثمانمائة منهم خطابًا مفتوحًا يصف خطاب « أورسولا فون دير لايين » بالعنصري والمتماهي مع اليمين المتطرف والمتسم بتوفير الغطاء السياسي والدَّعْم غير المشروط للعدوان الصهيوني، غير إن هذا الخطاب الإستعماري والعنصري يحظى بإجماع سياسي في ألمانيا التي صَدّرت خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2023، أسلحة بقيمة 300 مليون يورو، وتم إعفاء صادرات العتاد والأسلحة الألمانية المُرسلة إلى العدو الصهيوني من الضرائب ومن الرّسُوم الجمركية، منذ حوالي سبعين عامًا لدعْم الإستعمار الإستيطاني في فلسطين، ودعم الصناعات الحربية الصهيونية بمحركات الدّبابات والمُدَرّعات، وبالسّفن الحربية وبالغوّاصات المُزَوّدة بصواريخ قادرة على حَمل رُؤُوس نَوَوِيّة، وتُقدّر قيمة المشاريع المُشتركة (الألمانية – الصّهيونية) للتّصنيع الحربي بما لا يقل عن مليار يورو، وأَوْرَدَ تقريرٌ نشرته مؤسسة « روزا لكسمبورغ » عن صناعة التسلّح قائمة تضمنت بعض المشاريع الحربية المشتركة لصناعة دروع الدبابات والقاذفات وأجهزة وشبكات الإتصالات عالية التقنية، ما يجعل الدولة الألمانية متورّطة بشكل مباشر في الإبادة الجماعية والعدوان المُستمر على الشعب الفلسطيني، وفي ترويج الرؤية للصهيونية عبر إجماع وسائل الإعلام التي ترى « إن أمن إسرائيل من مصلحة الدولة الألمانية وإن أيّ انتقاد لإسرائيل يُعادل معاداة السامية »، وبذلك يتم تشويه كافة أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وقمع المُشاركين بها بوحْشِيّة وعنف كبيرَيْن، بذريعة « نَشْر الكراهية ومُعاداة السامية « …
تضُمّ جبهة الأعداء كذلك أنظمة عربية (من صهاينة العرب أو عرب أمريكا) منها نظام المغرب ومصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرَيْن وقَطَر وغيرها، كما توجد أنظمة « إسلامية » ومنها تركيا وأذربيجان، فتركيا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي ولها علاقات متينة بالكيان الصهيوني
تُؤَمِّنُ آذربيجان وكازاخستان ومصر ما لا يقل عن 65% من حاجات الكيان الصّهيوني من الطاقة ( النفط والغاز)، عبر أراضي وموانئ تركيا التي تُصدِّرُ تُزَوِّد بدَوِرِها العدو الصهيوني بالحديد والفولاذ ومواد البناء والسيراميك والأغذية وغيرها بقيمة 5,7 مليار دولارا سنة 2022، وهي خامس أكبر مُصدّر للسلع إلى الكيان الصهيوني…
الولايات المتحدة
أعلن وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن، يوم السبت الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2023، إن الجيش الأمريكي يَضُمُّ حوالي 3,4 مليون شخص وأن واشنطن زادت تمويل إنتاج الذخيرة بنسبة 50% بسبب ارتفاع معدلات استهلاك أوكرانيا للصواريخ، وإعادة تخزين الذخيرة التي استخدمها الجيش الصهيوني من مخازن الجيش الأمريكي في فلسطين المحتلة، لقصف الفلسطينيين في غزة، وأشار وزير الحرب الأمريكي إلى « الاستهلاك المرتفع لقذائف المدفعية في أوكرانيا (ما يُؤَكِّدُ ) أننا بحاجة إلى زيادة الإستثمار في تصنيع الذخيرة الذي ارتفعت حصته من ميزانية الحرب الأمريكية لتصل إلى 50% خلال خمس سنوات… (وذلك لأن) الجيش الأميركي هو القوة المقاتلة الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية… وسنعمل على احتفاظه بهذه المزايا «
أشارت عِدَّةُ وسائل الإعلام الأمريكية إلى صعوبة إدارة الجيش الأمريكي أكثر من عدوان واحد خلال نفس الفترة، حيث أظْهَرَت الحرب في أوكرانيا صعوبة تلبية شركات المُجَمّع الصّناعي العسكري الأمريكي الطلب المستمر للحُلَفاء على الأسلحة، وأظهرت محدودية قدرة هذه الشركات على تجديد مخزونها مع استمرار الحرب في أوكرانيا وانطلاق العدوان الصهيوني في فلسطين المحتلة، حيث يستخدم جيش العَدُوّ مخزون الذّخائر الأمريكية…
ساعدت الولايات المتحدة وكندا الحركة الصهيونية، بين سنَتَيْ 1945 و 1948، في إدخال أكثر من ستين ألف مُسْتَوْطِن يهودي وغير يهودي إلى فلسطين، عن طريق البوارج والقوارب، بما في ذلك عشر سفن أمريكية، بتواطؤ من بريطانيا القوة المُستَعْمِرَة لفلسطين، بحسب تقرير معهد واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط (أرشيف الشرق الأوسط بمكتبة الكونغرس)، وبلغت المساعدات المالية العامة والخاصة التي قدمتها ألمانيا والولايات المتحدة للدولة الصهيونية، بين عامي 1953 و2017، أكثر من 165 مليار دولار، أي عشرين ألف دولار للفرد الأمريكي والألماني…
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال بَعْضَ تفاصيل عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى فلسطين المحتلة بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر ونهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وتتضمن قائمة الأسلحة والذّخائر 57 ألف قذيفة مدفعية ( عيار 155 ميلمتر) وأكثر من 15 ألف قنبلة يفوق وزنها طُنًّا واحدًا، وذخائر عنقودية وصفها « ميك مولروي »، نائب مساعد وزير الحرب الأمريكي السابق « إنها الأسلحة المُفضّلة التي يستخدمها الجيش الأمريكي في أفغانستان وسوريا في المناطق المفتوحة غير المأهولة »، وفق شبكة “إن بي سي نيوز” لكن غزة مأهولة، بل هي المنطقة الأكثر كثافة سُكّانية في العالم، حيث يعيش 2,3 مليون نسمة في مساحة لا تتجاوز 360 كيلومترا مربعًا، وأدّى العدوان الصّهيوني إلى تدمير 15 ألف مبنى خلال ستة أسابيع، من بينها المساجد والكنائس والأسواق والجامعات والمستشفيات والمدارس والأحياء السكنية وفق صحيفة نيويورك تايمز ( السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، التي كتبت أن الجيش الصهيوني يقتل المدنيين في غزة “بوتيرة تاريخية”، بفعل إلقاء قنابل تزن أكثر من طن واحد على مراكز مأهولة بوتيرة فاقت الحرب العالمية الثانية أو العدوان الأمريكي على فيتنام، ورفضت السّلطات الأمريكية النّقد الذي وُجِّهَ لها بأن شحنات الأسلحة لا تقتل سوى المدنيين في غزة، ولا تزال شحنات الأسلحة الأمريكية تصل إلى فلسطين المحتلة بواسطة الطائرات العسكرية الأمريكية، ورفضت السلطات الأمريكية توفير المعلومات عن الأسلحة التي تقدمها إلى الكيان الصهيوني، وفق صحيفة « وول ستريت جورنال » بتاريخ 01 كانون الأول/ديسمبر 2023
المنتفعون من الحروب
كتبت صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الرئيسية (17/10/2023) تعليقًا على طلب الرئيس الأمريكي مَنْحَ الكيان الصّهيوني مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 14 مليار دولار: « حرب الشرق الأوسط تزيد من ارتفاع مبيعات الأسلحة الدولية » فقد عززت حرب أوكرانيا والعدوان الصهيوني على غزة مكاسب الشركات العالمية لتصنيع الأسلحة، وخصوصًا مُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، الذي بلغت حصّته 45% من قيمة مبيعات الأسلحة في العالم، سنة 2022، وفق معهد ستوكهولم الدّولي لأبحاث السلام الذي يتوقّع أن تتّسع الفجوة بين الولايات المتحدة وبقية العالم، بسبب الضغوطات الأمريكية على أعضاء حلف شمال الأطلسي لشراء الأسلحة الأمريكية، وابتهج الرئيس الأمريكي ( جوزيف بايدن) لارتفاع مبيعات الأسلحة الأمريكية قائلاً في خطاب مُتَلْفَز: « يقوم العمال الأمريكيون بمصانع الأسلحة ببناء ترسانة الديمقراطية وخدمة قضية الحرية وبخدمة الإقتصاد الأمريكي، تمامًا كما كان الحال خلال الحرب العالمية الثانية »، وفق صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 19/10/2023، وفي الواقع ساعدت شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية في تقويض الديمقراطية على مستوى العالم (من إندونيسيا إلى تشيلي) ووَسّعت من رقعة القمع، بذريعة دعم السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي ودعم المصالح الأمريكية في العالم… أما العملون فلا يستفيدون من ارتفاع الأرباح الضّخمة التي تُحقّقها الشركات العملاقة لإنتاج الأسلحة، مثل رايثيون ولوكهيد مارتن، بنسبة 12% خلال السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، وفق مجلة « هارفارد بزنس ريفيو » ( 25 آذار/مارس 2023)، بل يستفيد منها المُديرُون التّنْفِيذِيُّون وفق مجلة « فوربس » بتاريخ 12/12/2022 وأوْرَد تقرير صدَرَ عن معهد « كوينسي » سنة 2022 إن الأسلحة الأمريكية طاغية في 34 صراعً مُسلّحً من إجمالي 46 على مستوى العالم، وفي أحيان كثيرة، تستخدم الأطراف المُتحاربة نفس الأسلحة، أمريكية الصُّنْع، كما قامت الولايات المتحدة سنة 2021 (لا تتوفّر إحصاءت كاملة لسنة 2022 ) بتسليح ما لا يقل عن 31 دولة صنّفتها المنظمة الأمريكية « فريدوم هاوس » بأنها غير ديمقراطية (وفق مقاييس وزارة الخارجية الأمريكية) وساهمت هذه الأسلحة الأمريكية في استهداف المدنيين، وتدمير المدارس والمُستشفيات والأحياء السكنية والمصانع وقصف المدنيين المشاركين في حفلات الزفاف والمآتم…
يَعْسُرُ أن يتجرأ أي رئيس أو حاكم ولاية أو نائب أو سيناتور أمريكي على مُجابهة شركات صناعة الأسلحة الأمريكية بسبب الدعم المالي للإنتخابات الذي تقدمه شركات الأسلحة لمعظم مُرشّحي الرئاسة والكونغرس، وبسبب دورها في إعداد وصياغة القوانين…
تستفيد السوق المالية « وول ستريت » وشركات المجمع الصناعي العسكري الأميركي، مثل راثيون وجنرال داينامكس ولوكهيد مارتن، كما تستفيد شركات التمويل والمصارف، مثل مورغان ستانلي وسيتي غروب وغيرهما، من العدوان على غزة وعلى سوريا واليمن، بفعل زيادة الطلب على الأسلحة والمُعدّات العسكرية التي يتجه جزء منها إلى أوكرانيا والكيان الصهيوني الذي يُمثّل مصالح الإمبريالية في الوطن العربي وما حوله، وفق طموحات ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، ومن تَبِعَهُ من قادتها، ولذلك لن تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الأوروبي هذا الكيان الذي يمكن أن يَنْهَارَ لو تظافرت جهود العرب وجهود التقدّميين في العالم، لهزيمته..
تمويل إبادة الشعب الفلسطيني
مَنَحَت الولاياتُ المتحدةُ الكيانَ الصهيونيَّ إعانات عسكرية بلغت قيمتها حوالي 320 مليار دولارا من أموال دافعي الضرائب، أو ما يزيد عن أربع مليارات دولار سنويا.، لتصبح دولة الإحتلال أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية، ولا يزال تمويل الإبادة الجماعية مُستمرًّا، بل يعتزم الرئيس الحالي (جوزيف بايدن) وأعضاء الكونغرس زيادة مبالغ الدّعم وزيادة عدد القتلى الفلسطينيين وتدمير المزيد من المباني والطرقات ومحطات ضخ المياه وتوليد الكهرباء، ويتجاوز التّآمُرُ الولايات المتحدة، وفق المُقرّرة الخاصة للأمم المتحدة (فرانشيسكا ألْبانيز) التي صَرَّحَت يوم 14 تشرين الأول/اكتوبر 2023 : « يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية منع الجرائم الفظيعه وحماية السكان منها… هناك خطر كبير من أن ما نشهده قد يكون تكرارًا لنكبة 1948، ونكسة 1967، على نطاق أوسع »، وبعد شهر، في الثالث عشر من تشرين الثاني/اكتوبر 2023، حَذّر العديد من خُبراء الأمم المتحدة من أن « الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية… إن حلفاء إسرائيل يتحملون المسؤولية أيضاً ويجب عليهم التحرك في الحال لمنع هذا المسار الكارثي »، وفق صحيفة « غارديان » التي حَمّلَ أحد صحافِيِّيها المسؤولية للزعماء الصهاينة وللولايات المتحدة التي تدعمهم ماليا وعسكريا: « يُصمّم المسؤولون الإسرائيليون وينفّذون إبادة الناس الذين يعتبرونهم أقل من البشر، بمباركة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام التي تُعيد نَشْر بيانات الكيان الصهيوني، دون نقد أو تَمْحيص، وتُباركُ بذلك الأهداف والرغبات الصريحة لمَهْوُوسِي الإبادة الجماعية… »
لقد رفضت وسائل الإعلام وصف دونالد ترامب بالعنصري عندما أعلن سنة 2015 إطلاق حملة دعم للعنصريين البيض خلال دعايته الإنتخابية، ولم تَنقُدْه وسائل الإعلام إلا خلال صيف سنة 2019، بعد ارتفاع عدد جرائم الكراهية ضد المواطنين السود والمهاجرين ومن يُصنفون « مسلمين »، وهو ما يحصل حاليا بشأن الكيان الصهيوني حيث ترفض وسائل الإعلام الأمريكية وصف ما يحصل في الأراضي المحتلة سنة 1967، بالإبادة الجماعية، ما لا يُساعد الجمهور على فهم طبيعة الأهداف الصّهيونية، في حين ساهم بعض المواطنين في رفع دعوى قضائية لمنع دعم العدوان الصهيوني بأموال الضرائب الأمريكية وإبادة الشعب الفلسطيني (وشعوب أخرى) بأسلحة صنعت في الولايات المتحدة الأمريكية.
المستفيدون من الحروب الأمريكية
تجمّع عشرون مواطنا بصورة رمزية يوم الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أمام مقر شركة « رايثيون » الأمريكية لصناعة الأسلحة، التي استهدفها مُنظِّمو محكمة الشعب، وبالفعل انعقدت يوم الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 محكمة شعبية على الرصيف خارج مكاتب شركة Raytheon في أرلينغتون بولاية فرجينيا « لمحاكمة العديد من شركات تجار جرائم الحرب والموت، وهي الشركات التي تنتج الأسلحة التي لتسبب الموت والدمار في جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص في « الشرق الأوسط » حيث تستفيد هذه الشركات من معاناة الأبرياء »، وفق ما وردَ في الجلسة الإفتتاحية للمحاكمة التي قضى مُنظّموها سنَتَيْن في جمع الأدلة من خلال المقابلات مع الضحايا والمحللين والمحامين وأصحاب المصلحة، وستدوم المحاكمة أربعة أشهر، حيث سيتم إصدار سلسلة من مقاطع الفيديو أسبوعيًا على مدار الأشهر الأربعة المقبلة والتي ستظهر كيف تتواطأ شركات Raytheon و General Atomics و Boeing و Lockheed Martin في جرائم ضد الإنسانية، وستكشف مقاطع الفيديو عن ضرورة محاسبة هذه الشركات على جرائمها. وقد سجل أكثر من 1700 شخص حول العالم لحضور الجلسة الافتتاحية التي أعلنت « … باعتبارنا مواطنين أمريكيين، فإننا نتحمل المسؤولية عن أولئك الذين قتلوا بأسلحة قدمتها أو باعتها حكومتنا للآخرين الذين يقومون بعد ذلك بذبح الأطفال… وتضغط الشركات المُصنِّعة للأسلحة (تُجّار الموت) على الحكومات لمواصلة الحروب، بهدف تحقيق أرباح قياسية من معاناة وموت الأطفال والنساء والرجال، وهؤلاء الأشخاص لديهم أسماء وعائلات تحبهم وتحزن على وفاتهم… »، وقبل نهاية الجلسة أمرت الشرطة الحاضرين بمغادرة المكان وإلا فسيتم القبض عليهم، وتم اعتقال ستة متظاهرين تتراوح أعمارهم بين 28 و 77 سنة لفترة ست ساعات واتهامهم بالتعدي على ممتلكات الغير »…
تناقض مصالح الشركات الكبرى مع مصالح أغلبية الأمريكيين
وسّعت السلطات الأمريكية (البيت الأبيض والكونغرس) رقعة الأعداء خلال العقود الأخيرة، منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وخصوصًا بعد توسّع الاقتصاد الصيني، وذلك من أجل سيادة منظومة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة التي يوجد بها 735 مليارديراً تبلغ قيمة ثرواتهم 4,5 تريليون دولار، ويمتلك شخص أمريكي واحد وهو أغنى ملياردير في الولايات المتحدة والعالم، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ثروة تقدر بـ 241 مليار دولار، وتواجه شركاتُهُ السّتّ دعاوى قضائية بشأن انتهاكات الحقوق المدنية وحقوق العمال، وتم رفع قضية ضد شركة « تسلا » للسيارات الكهربائية، ذاتية السّيْر، بتهمة التمييز العنصري والتحرش بالعمال السود، وما ينطبق على إيلون ماسك ينطبق كذلك على زملائه الأثرياء، من بينهم جيف بيزوس، ثاني أغنى أميركي بثروة تبلغ 168 مليار دولار، والذي أَسّسَ وترأس لفترة طويلة عملاق التجارة الإلكترونية أمازون التي حاربت تكوين النقابات في مستودعاتها ومكاتبها…
رغم الإرتفاع المستمر لثروات الأثرياء وللناتج القومي الإجمالي الأمريكي، تعمّقت الفجوة الطبقية، واعتبارًا من سنة 2018، كان لدى أغنى ثلاثة مليارديرات أمريكيين ثروات مجتمعة تتجاوز إجمالي ثروة نصف السكان الأمريكيين، وفي حين ارتفعت ثروة الأثرياء، لم ترتفع القيمة الحقيقية للأجور الدُّنيا والمتوسطة منذ أربعة عُقُود، ويعيش 18 مليون أمريكي في حالة « فقر مدقع » أو بدخل سنوي لا يبلغ 6380 دولارًا سنويًا للفرد أو أقل من 13100 دولار سنويًا لأسرة مكونة من أربعة أفراد، وشمل اتساع الفجوة الطبقية ملايين العُمّال الفُقراء، في أدنى درجات السُّلَّم والعاملين بعقود هَشّة أو بدوام جُزْئِي، ما جعل النقابات تخوض صراعا شرسا من أجل زيادة الأُجُور وتحسين ظروف العمل…
يُشكّل انتشار عدم المساواة الاقتصادية نتيجَةً طبيعية للنّفوذ السياسي الذي يُمارسه أصحاب الشركات وأصحاب المليارات فالسياسيون المليارديرات مثل دونالد ترامب يدّعون الدّفاع عن مصالح الطبقة العاملة، ولكنهم يقدمون إعفاءات ضريبية للأغنياء وللشركات الكبرى…
وردت معظم البيانات بموقع شبكة ويسكونسن للسلام والعدالة وموقع معهد الإعلام المستقل 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2023
أوروبا – إنفاق حربي قياسي سنة 2022
ارتفع حجم الإنفاق العسكري بدول الإتحاد الأوروبي سنة 2022 بنسبة 6% عن سنة 2021، وبنسبة 10% في ستّ دول، بينما زادت بنسبة فاقت 30% في السّويد، وسجل الإنفاق العسكري الأوروبي مستوى قياسيا بلغ 240 مليار يورو (260 مليار دولار) سنة 2022، فيما « خَصَّص الإتحاد الأوروبي 58 مليار يورو إضافية (زيادة على إنفاق الحكومات) لشراء معدّات عسكرية جديدة، على وقع الحرب في أوكرانيا »، وفق التّقرير السّنوي لوكالة الدفاع الأوروبية المنشورة يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 التي نشرت تصريحات عدائية جدًّا تجاه روسيا التي أعلنت حكومتها زيادة قياسية لإنفاقها العسكري بنسبة 68% للعام 2024، ما يمثل نحو ثلث النفقات الحكومية، لمواجهة حلف شمال الأطلسي على حُدُودها…
استنفدت دول الاتحاد الأوروبي مخزوناتها من الأسلحة وأرسلت إمدادات ضخمة إلى أوكرانيا لمحاربة روسيا، وأعلن الإتحاد الأوروبي دَعْمَ شركات الصناعات العسكرية الأوروبية لزيادة إنتاج الأسلحة ليتمكن الإتحاد من تلبية متطلبات حرب أوكرانيا، كما يحث الإتحاد الأوروبي الدّول الأعضاء على إبرام عقود مشتركة لتصنيع الأسلحة وإرسالها إلى الجبهات التي أشعلها حلف شمال الأطلسي، أي الولايات المتحدة وأوروبا… عن وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023
المانيا
الصّهيونية وليدة الإستعمار الأوروبي – نموذج ألمانيا
نقلت وكالة « رويترز » يوم الأربعاء الثّامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عن « مصدر بالحكومة الألمانية » ( وزارات الحرب والخارجية) إن الموافقات الخاصة بتصدير أسلحة ألمانية للكيان الصهيوني تضاعفت، نحو عشر مرات، على أساس سنوي، مقارنة بالعام 2022، وارتفعت من 32 مليون يورو مُعلَنَة سنة 2022 إلى 303 مليون يورو (ما يُعادل 323 مليون دولارا) خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2023، وتعتبر كافة الحكومات الألمانية، منذ سنة 1953، تسليح الكيان الصهيوني ودَعْمِهِ ماليا، أولَوِيّةً مُطْلَقَة،
بلغت قيمة صادرات ألمانيا من المعدات العسكرية، التي 8,76 مليار يورو خلال الشهور التسعة الأولى من سنة 2023، وتُشارك ألمانيا بنشاط في كافة الحروب العدوانية الأمريكية والأطلسية (من يوغسلافيا والصومال وأفغانستان والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا) وتبيع ألمانيا غواصات ( 7 غواصات) قادرة على حمل رؤوس نوَوِية إلى الكيان الصهيوني بسعر تفضيلي لا يتجاوز نسبة 65% من سعر البيع المُعْلَن، كما منحت ألمانيا الكيان الصهيوني مُكونات أنظمة الدفاع الجوي ومعدّات الإتصالات والتّجسّس والعربات المصفحة وزجاج الأمان والشاحنات العسكرية، واشتهرت ألمانيا (منذ 1953) بعدم الإفصاح عن تفاصيل عمليات بيع الأسلحة ولا عن الشركات الألمانية المشاركة في صفقات البيْع.
لم تخرج أي مجموعة سياسية أو نقابية أو ثقافية في ألمانيا عن الإجماع المُعَبِّر عن الدّعم غير المحدود وغير المَشْرُوط للكيان الصّهيوني، تكفيرًا عن المسؤولية التاريخية لألمانيا النازية في اعتقال المواطنين الأوروبيين اليهود وحشرهم في محتشدات، غير إن ظهور الإيديولوجية الصّهيونية ( بنهاية القرن التّاسع عشر) سابق لظهور العقيدة النّازية التي لم تنبُتْ من فراغ من الماضي الإستعماري الألماني…
لم يتميّز موقف اليسار الألماني من خارج البرلمان عن اليسار المُمثَّل في البرلمان بشأن القضية الفلسطينية والدّعم المُطْلَق للإحتلال، ابتداءً من الحزب الإشتراكي الحاكم وحلفائه من حزب الخُضْر وهَرع المستشار أولاف شولتس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) إلى تل أبيب مُباشرة إثر العملية الفدائية (07 تشرين الأول/اكتوبر 2023) دفاعًا عن « وُجُود وأَمْن إسرائيل » وتَسَابَقَت قيادات حزب الخُضْر وأعضاء الحكومة الإتحادية إلى سوق المُزايدات السياسية لإعلان تأييد الإحتلال الصهيوني وتبرير المجازر والإبادة…
يُشيع العديد من المُثَقّفين إن ألمانيا لم تكُن دولة استعمارية مُماثلة لفرنسا أو بريطانيا، وهذا خطأ لأن ألمانيا استعمرت العديد من البلدان، حتى هزيمتها بنهاية الحرب العالمية الأولى، منها ستّ مُستعمرات في إفريقيا (بوروندي والكاميرون وناميبيا ورواندا وتنزانيا وتوغو) فضلا عن الإستعمار الجُزْئي لأوغندا وإفريقيا الوسطى وتشاد والغابون وغانا وكينيا وموزامبيق ونيجيريا، فضلا عن مستعمراتها في أوروبا الشمالية والشرقية، منذ القرن السابع عشر، قبل الوحدة الألمانية، والجزر العديدة في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى أجزاء من الصين، بين سَنَتَيْ 1898 و 1914، وارتكب الإستعمار الألماني جرائم فظيعة، منها مجازر 1904 بجنوب غربي إفريقيا ضد « الهيريرو » (إحدى قوميات أو أثنيات جنوب غرب إفريقيا) الذين تمرّدوا على الإستعمار الإستيطاني الألماني وقتلوا أكثر من مائة منهم في هجوم مفاجئ، احتجاجًا على مُصادرة أراضيهم طيلة العُقُود السابقة (خصوصًا خلال العقديْن الأخيرَيْن من القرن التّاسع عشر) وتوطين المُسْتعمِرِين في الأراضي الخصبة التي خَصَّصَها السّكّان المَحَلِّيُّون للرّعي، واحتجاجًا على فظاظة المُستعمرين الألمانيين الذين استَعْبَدُوا السّكّان الأصليين وجَمّعوهم في معازل بأراضي « ألمانيا الإفريقية » (نامبيبيا الحالية )…
كانت ممارسات السلطات الألمانية شبيهة بممارسات الصّهيونية، حيث كان الهدف « إبادة الهيريرو بمن فيهم النساء والأطفال، وإذا لم تكن الإبادة ممكنة يتعين إجبارهم على مغادرة البلاد »، وفق تعليمات إمبراطور ألمانيا آنذاك الذي وصف هذه الحرب بعملية التّطهير العنصري، وتم تنفيذ هذه التعليمات بوحشية، حيث تم تسميم الآبار التي يشرب منها السكان ومواشيهم من قِبَل الجيش الألماني المُسْتَعْمِر الذي قَبَضَ على المئات من الهيريرو غير المسلحين وأَعْدَمَهُمْ ونفى القادة والآلاف من السكان إلى الصّحراء حيث ماتوا جُوعًا وعطَشًا، وقَدّرت قيادة أركان الجيش الألماني في « ألمانيا الإفريقية » عدد القتلى بنحو 65 ألف من أصل 80 ألف من الهيريرو، وفقد العديد من النّاجين (15 ألف) حياتهم في مُحتشدات العَمَل القَسْرِي…
بريطانيا
اعترفت وزارة الحرب البريطانية، يوم الخميس 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بمشاركتها الفعلية بالعدوان على غزّة، عبر طائرات استطلاع لجمع معلومات استخباريّة وإرسالها إلى الجيش الصهيوني كما اعترفت بنَشْرِ وحدات عسكريّة مقاتلة شرقي البحر المتوسط، لدعم العدو الصهيوني، تتشكل من سفينة مُدَمِّرَة ووحدات من جنود مشاة البحريّة وسفن حربية، وطائرات مروحية ومعدات الاستطلاع والاستخبارات، فضلا عن مُشاركة القوات البريطانيّة المتمركزة في قواعد جزيرة قبرص في دعم العدوان، واستخدام الكيان الصهيوني لأربعة مواقع تجسس أمريكية بقبرص (مراقبة المكالمات والنصوص ورسائل البريد الإلكتروني من جميع البلدان العربية )، وفق تقرير نشره موقع يو كيه كلاسيفايد
تحتل القواعد البريطانية 3% من مساحة قبرص، وتستضيف مرافق وتجهيزات التجسس لوكالة الأمن القومي الأمريكي (إن إس أيه) وتتقاسم الدّولتان المعلومات والتحاليل والبيانات الأمنية مع وكالة التّنصّت والرصد الصهيونية (آي إس إن يو)، وأظهرت وثائق رسمية بريطانية إن التورّط العسكريّ البريطاني في العدوان على غزّة يتجاوز عمليات الرصد والتجسس إلى نقل المعدّات والأسلحة على طائرات عسكريّة بريطانيّة ضخمة ضمن عشرات الرّحلات انطلاقاً من قبرص باتجاه تل أبيب، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما انطلقت طائرات عسكرية أمريكيّة من القواعد البريطانية في قبرص مُحمّلة بالسلاح والعتاد إلى فلسطين المحتلة، وذكر موقع يو كيه كلاسيفايد أن 129 طياراً عسكريّاً أمريكياً يرابطون بشكل دائم في القاعدة العسكريّة البريطانية في منطقة أكروتيري، حيث تنطلق كافة عمليّات القصف التي تقوم بها طائرات أمريكيّة في منطقة شرق المتوسط، كما يتمركز فيها سرب طائرات استطلاع تجسسي أمريكيّ بشكل دائم، وتستضيق قبرص مواقع التنصت والرصد الإلكتروني الأمريكي داخل مناطق عسكريّة مغلقة لمراقبة المراسلات الصوتية والمكتوبة من وإلى سوريا ولبنان ومصر وتركيا وإيران وصولاً إلى شرق إفريقيا…
استخدمت بريطانيا القواعد العسكرية في قبرص لمحاربة الشيوعيين اليونانيين الذي حرّرُوا البلاد من الإحتلال، أثناء الحرب العالمية الثانية وزجّت بخمسين ألف منهم في السجون سنة 1944، واحتلت البلاد، ثم نصّبت حكومة يمينية حاربت الشيوعيين والتقدميين والفقراء والكادحين، وخلال العدوان الثلاثي أقلعت الطائرات الحربية الفرنسية والبريطانية من قبرص خلال عدوان 1956 على مصر ولعبت القواعد العسكرية البريطانية دورا هامّا في احتلال الجيش التركية القسم الشمالي من قبرص، سنة 1974، ولا يزال مُحتلا، ونقلت تركيا فلاحين فقراء ليستوطنوا أراضي القبارصة، ولا تزال بريطانيا تُوَظِّفُ القواعد في قبرص للتجسس ولدعم القوات الحليفة الأمريكية والصهيونية والأطلسية للعدوان على العراق وليبيا وسوريا ولبنان واليمن…
فرنسا
أعلن الرئيس الفرنسي خلال زيارته للكيان الصهيوني يوم 24 تشرين الأول/اكتوبر 2023 مشروع تشكيل تحالف دولي ضد حركة «حماس» على غرار ذاك الذي أقيم ضد «داعش» والذي أسفر عن تدمير سوريا وطلب ماكرون من وزارة الخارجية الفرنسية إعداد «مقترحات عملية» لإدراج «حماس» وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية وقادتها وكوادرها على لائحة «الارهاب» وعقد لقاء يوم الإربعاء 13 كانون الأول/ديسمبر 2023 في باريس يحضره مسؤولون من دول غربية والكيان الصهيوني يخصص للبحث في تعزيز «التعاون الأمني» ضد «حماس» وفصائل المقاومة التي شاركت في عملية «طوفان الأقصى» وفي الدفاع عن غزة..، وأصبحت فرنسا تُصنّف القوى التي ترفض اتهام المقاومة بـ«الإرهاب» بأنها «إرهابية» و«منارة للإرهاب»، ما يُعيد إلى الأذهان الأطروحات الإستعمارية العنصرية التي تصف السّكّان المَحلِّيِّين للمُستَعْمَرات بالبرابرة الجدد، بدعم من آل سعود، إذْ جرتْ اتصالات و لقاءات بين الطّرَفَيْن لمناقشة مستقبل الوضع في غزة لبلورة رؤية مشتركة تفضي إلى استسلام قيادات حماس وخروجها إلى الجزائر، وإطلاق سراح الرهائن، ومنع عسكرة غزة، وفرض حكم محلي وسلطة يمكن للإحتلال التفاهم معها… وإنشاء قوات عربية « لحفظ السلام » تابعة للأمم المتحدة لإدارة القطاع، وتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني
تركيا
ووجب التّذكير بالعلاقات المُبَكِّرة والقوية بين تركيا العثمانية والحركة الصهيونية، ثم بين تركيا الأتاتوركية و »المُسلمة » والكيان الصّهيوني الذي اعترفت به منذ سنة 1949، وبين تركيا والإمبريالية الأمريكية « المسيحية »، ضد الإتحاد السوفييتي، قبل انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي سنة 1952، ولمّا أصبح « الإسلامي » عدنان مندريس رئيسًا للحكومة التركية تعزّزت العلاقات السياسية والعسكرية والإقتصادية، وارتفع نَسَقُ هذه العلاقات خلال فترة رئاسة « الإسلامي » طورغوت أوزال، وكذلك خلال فترة حكم نجم الدّين أربكان، المُعلِّم السياسي « الإسلامي » لرجب طيب أردوغان، ومُؤّسّس حزب الرّفاه الذي يُعتَبَرُ رائد الحركة الاسلامية الحديثة في تركيا خلال سبعينيات القرن العشرين التي لم تُحارب الصهاينة ولا المسيحيين ولا الأتاتوركيين، بل حاربت اليسار التركي (بالإغتيالات والهجوم بالقنابل والسلاح)، قبل أن يفوز التّلميذ أردوغان وحزبه ( العدالة والتّنمية) بانتخابات حزيران/يونيو 2002، وكَرّم المؤتمر اليهودي الأمريكي رجب طيب أردوغان، سنة 2004 ومَنَحَهُ « جائزة الشّجاعة »، لأنه طَوَّر العلاقات الإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، بل وَصَفَ المُقاومة الفلسطينية في الضّفّة الغربية بالإرهابية، وكان شمعون بيريز أول مسؤول سياسي صهيوني رفيع يُلقي كلمة في البرلمان التّركي يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، وارتفع حجم التبادل التجاري بين بين تركيا والكيان الصهيوني من 1,5 مليار دولار سنة 2002 حوالي 9,5 مليارات دولارا مُعْلَنَة سنة 2022، ولم تتخذ تركيا بعد العدوان على غزة (منذ السابع من تشرين الأول إلى غاية السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023) أي إجراء ضد الكيان الصهيوني، بل تعززت العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية حيث وصلت 300 سفينة تركية (بين السابع من تشرين الأول والرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023) إلى موانئ فلسطين المحتلة، مُحَمّلة بالسلع والموادّ المختلفة، كما لم تتخذ تركيا « الإسلامية » أي إجراء ضد القواعد الأميركية التي تستخدمها الإمبريالية الأمريكية لنقل التجهزات العسكرية والأسلحة إلى الجيش الصهيوني…
تستخدم سلطة الإخوان المسلمين في تركيا الدّين لغايات سياسية، ولِمُغالطة جمهور المُسلمين، أما القضية الفلسطينية فإنها قضية تحرّر وطني ضد الإستعمار الإستيطاني الصهيوني الذي تدعمه الإمبريالية والأنظمة العربية والإسلامية، وتُعتبر السلطة الإسلامية في تركيا عضوًا هامًّا في حلف شمال الأطلسي وشريكًا في كل جرائمه، وجزءًا من المنظومة الرجعية التي تدعم الكيان الصهيوني…
تطورت العلاقات العسكرية والسياحية والتجارية بين تركيا والكيان الصهيوني، خلال سنوات حُكْم الإخوان المسلمين وتنوعت صادرات لتلبية احتياجات الصناعات الصهيونية، وارتفعت قيمتها بنسبة 12,6% سنويا بين سنة 1995، حيث كانت قيمتها 228 مليون دولارا وسنة 2021، حيث وصلت قيمتها إلى 6,31 مُعْلَنَة، وتفضح هذه الأرقام خداع حكومة الإخوان المسلمين بزعامة رجب طيب أردوغان الذي يُقدّم الدّعم اللُّوجيستي للعدو ويهدّد في نفس الوقت برفع دعوى قضائية لمحاكمة الكيان المُعتدي على الجرائم ضد الإنسانية في غزة، بينما غادرت الموانئ التركية نحو 226 سفينة محملة بالسلع والعتاد وقطع الغيار نحو موانئ فلسطين المحتلة، لدعم اقتصاد العدو، منذ بداية العدوان في التاسع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتُصَدِّرُ تركيا الملابس والمنسوجات والمنتجات الزراعية والآلات والمعدات وقطع غيار السيارات والمواد الكيميائية إلى العَدُوّ عن طريق البر والبحر، فضلا عن التعاون التكنولوجي والثقافي والسياحي، وتلعب تركيا دورًا أساسيا في دعم الاقتصاد الصهيوني، وفق تصريحات رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو الذي تخاصم مع أردوغان واتهمه بالنفاق تجاه سكان غزة، وتعزيز التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، خصوصًا منذ الإنقلاب المشبوه والفاشل سنة 2016
تُعَدُّ قاعدة إنجرليك التركية من أهم قواعد حلف شمال الأطلسي وقاعدة كوريجيك أهم قاعدة للتجسّس في المنطقة، ويشرف الجيش الأمريكي على إدارة القاعِدَتَيْن اللّتَيْن تُوفِّران الظروف الموضوعية للتّدخّل العسكري الأمريكي (والصّهيوني) في إيران والعراق وسوريا ولبنان وغيرها.
تم إنشاء قاعدة «إينجيرلك» بعد الحرب العالمية الثانية في منطقة أضنة، وأصبحت تستخدمها القوات الأمريكية والأوروبية والتركية بداية من سنة 1954، ضمن نشاط حلف شمال الأطلسي الذي اتخذ منها قاعدة جوية وبحرية وخزن بها مائة رأس نووي وأنظمة تحكّم مهمّة للتنسيق مع قاعدة الرادارات الإسترتيجية في «كوريجيك»، بداية من سنة 2010، للتّجسّس على سوريا والعراق وإيران، ومع قاعدتَيْ «أغراتور» و«ديكيليا» البريطانيتَيْن في قبرص، لتزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة والعتاد الحربي وفق موقع صحيفة هآرتس الصهيونية وموقع ديكلاسيفيد الإنغليزي الذي ذكر أن الطائرات الأميركية والإنكليزية لا تستخدم فقط قاعدة إينجيرلك، بل كذلك قواعد في ألمانيا وإسبانيا لنقل الأسلحة والعتاد إلى فلسطين المحتلة، وتنتقل الطائرات الأميركية من قبرص إلى قاعدة «نيفاتيم» الجوية في النقب (جنوب فلسطين المحتلة) أو في مطار «بن غوريون» لتسليم السلاح والعتاد وذكر الموقع إن ما لا يقل عن 33 طائرة إنغليزية نقلت سلاحًا بين 11 تشرين الأول/اكتوبر، و17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، من قاعدة أغراتور (قبرص) إلى مطار اللدّ
يستخدم الجيش الأمريكي قاعدة « إينجيرلك »، خصوصًا منذ سنة 1991 للعدوان على العراق، بموجب اتفاق التعاون العسكري والاقتصادي بين الولايات المتحدة وتركيا للعام 1980، وتخدم القاعدة تخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي الذي أعلنه بوش الإبن، وأصبحت قاعدة «إينجيرلك» مركز العمليات الخاصة، ثم مركز إدارة العمليات ضدّ سوريا…
طالب رئيس حزب « وطن » (يسار تركيا) الذي يُعارض عضوية تركيا في حلق شمال الأطلسي بإغلاق قاعدة إنجرليك، وذلك خلال مظاهرة (يوم 05 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) قُرْب القاعدة للتنديد بالدعم الأميركي للعدوان الصهيوني والمُطالبة بإغلاقها، وواجهت حكومة الإخوان المسلمين التركية المتظاهرين باستخدام قوات مكافحة الشغب والقنابل المسيّلة للدموع.
خلاصة:
عانى الشعب الفلسطيني من الإحتلال العثماني (1516 – 1918)، والإستعمار البريطاني (1918 – 1948) الذي “وعد” الحركة الصهيونية سنة 1917 بفلسطين، قبل أن يُسلّمها البلاد سنة 1948، ومنذ ذلك الحين يستمر الاحتلال الصهيوني، بل يتوسّع، بدعم من الإمبريالية (وخاصة الأمريكية والأوروبية) والأنظمة العربية الرجعية.
غزا الاستعمار البريطاني فلسطين، إثر هزيمة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وتَبَعًا للاتفاقية الفرنسية البريطانية المعروفة باتفاقية « سايكس بيكو » سنة 1916 (اتفاقية سرية كشف عنها لينين بعد انتصار الثورة البلشفية)، ثم مَنَحَ الاستعمار البريطاني فلسطين للحركة الصهيونية لإقامة « دولة إسرائيل ».
كان وعد بلفور، في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 1917، بمثابة نقطة تحول في مأساة الشعب الفلسطيني، التي تجسّدت بتأسي الغرباء الأوروبيين دولةً في فلسطين سنة 1948، حيث تم طرد وتهجير ثُلُثَيْ الشعب الفلسطيني بالقوة المسلحة، خارج البلاد، وفق خطة تمت دراستها قبل عقدين من الزمن، ويعرف هذا الحدث باسم « النكبة »، وهو مصطلح عربي يعني: الكارثة، ومنذ ذلك الحين، يعيش جزء من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة سنة 1948، وهؤلاء هم أحفاد 160 ألف فلسطيني أفلتوا من الطرد. أما أولئك الذين طردوا (ما بين 800 ألف و 850 ألف) فقد أصبحوا لاجئين في البلدان المجاورة (لبنان وسوريا والأردن ومصر) أو في الأراضي التي تم احتلالها لاحقاً سنة 1967، وخاصة في غزة حيث يشكل اللاجئون نحو ثُلُثَيْ السكان وهم لاجئون في بلادهم (النازحون، بلغة الأمم المتحدة)، وعاش الفلسطينيون في الأراضي المحتلة سنة 1948 كمواطنين من درجة دُنْيا، جُرِّدوا من حقوقهم وعاشوا في ظل نظام عسكري (حظر التجول وحظر التنقل دون تصريح من الحاكم العسكري، إلخ) لمدة عشرين عامًا، كما حصلت عشرات المجازر وتم هدم 531 قرية لمنع اللاجئين من العودة…
تشكّلت مجموعات مقاومة صغيرة منذ عام النّكبة، وتأسست حركة القوميين العرب سنة 1948 (في خلاف مع حزب البعث)، ثم تبلْوَرَت الفكرة والنّضال سنة 1951، من خلال نقاشات المناضلين المُؤَسِّسِين، وهم من بلدان عربية مختلفة (فلسطين والأردن وسوريا والعراق والكويت واليمن وموريتانيا ) ومن بينهم جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وأحمد الخطيب وصالح شبل وحامد الجبوري وغيرهم، وأصدرت الحركة نشرات ومجلاّت بين 1951 و 1959، تتمحور مواضيعها حول « ضرورة الوحدة العربية والتحرّر من الإستعمار والثأر من الصهيونية »، ثم حذفت الحركة شعار الثّأر واستبدلته بشعار استعادة فلسطين، وأضافت الإشتراكية سنة 1959، وأصبح هدف حركة القوميين العرب: « تعبئة جماهير كافة أقْطار الأمة العربيّة من أجل تحرّرها من الإستعمار واسترداد فلسطين وتحقيق وِحْدَة الأمة العربية وإنجاز الإشتراكيّة »، وفق ما ورَدَ في مجلاتها « الرّأي » و « الحُرِّيّة »، وتم حَلّ الحركة إثر هزيمة 1967، ليتأسّس الفرع الفلسطيني تحت إسم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين.
كان لحركة القوميين العرب فروع في عدة بلدان عربية في فلسطين وسوريا والعراق والأردن والبحرين وعُمان واليمن والكويت وغيرها، بهدف « تعزيز الانتفاضة الشعبية في جميع البلدان العربية ضد الاستعمار »، وقادت الحركة انتفاضة شعب عُمان في إقليم ظُفار، وقادت النضال ضد الإستعمار البريطاني وضد الحكم الملكي في اليمن وحكمت اليمن الجنوبي…
أنشأت جامعة الدول العربية منظمة التحرير الفلسطينية، سنة 1964، استجابة لطلب جزء من البرجوازية الوطنية الفلسطينية الحصولَ على أدوات نضال خاصة بالفلسطينيين، ثم تأسست حركة فتح في وقت لاحق على يد وطنيين فلسطينيين من خلفيات مختلفة (قوميون وإخوان مسلمون ووطنيون علمانيون إلخ ) وكانوا يدعون إلى « عدم التدخل في شؤون الدول »، وبالتالي فصل النضال من أجل تحرير فلسطين عن تحرير الشعوب العربية الأخرى، خلافًا لحركة القوميين العرب التي تعمل على تحرير البلدان الواقعة تحت الاستعمار المباشر (مثل اليمن أو دويلات الخليج ) أو الإستعمار غير المباشر (الاستعمار الجديد) ويشمل بقية البلدان العربية، مع استثناءات قليلة.
شكّلت هزيمة الأنظمة العربية وجيوشها خلال حرب 1967 تاريخ ولادة « اليسار الجديد » العربي، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي توصّل مُؤسِّسُوها إلى نتيجة مفادها أن الجيوش العربية النظامية ليست قادرة على إلحاق الهزيمة بالكيان الصهيوني الذي تدعمه الإمبريالية، ولن تكون هذه هزيمته سوى من قِبَل الشعب (حتى لو كان يعيش الظّلم والحرمان) بواسطة الحرب الشعبية طويلة المَدَى، على الطريقة الجزائرية أو الصينية أو الفيتنامية، وكانت مساهمةُ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مُهِمَّةً في توضيح أن الفاعلين الحقيقيين في صفوف الثورة هم الفقراء والعمال والفلاحون والرجال والنساء المسحوقون والمُضْطَهَدُون، وشدد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على الاختلافات بين اليهودية (كدين وهو ليس هوية وطنية) والصهيونية كأيديولوجية استعمارية وعنصرية.
ما هو دور التقدميين خارج فلسطين؟
لقد وُلِدَت الأيديولوجية الصهيونية في أوروبا، كما وُلِدَت الغيتوات والإبادة، وسبق أن أبادت الجيوش الأوروبية والمستعمرون الشعوب الأصلية في الأمريكتين ( منذ القرن السّادس عشر) وأستراليا ونيوزيلندا، واستَعْبَدَ المُستعمرون الأوروبيون ملايين الأفارقة وسَلَبُوهم حريتهم التي يتشدّق الأوروبيون بها خلال القرن الثامن عشر وأجبر المستعمرون الأوروبيون العبيد على العمل في الأراضي التي سلبوها من السّكّان الأصليين، لتصبح مزارع ضخمة. إن هذا العمل القسري والشّاق للعبيد الأيرلنديين في البداية، ثم للعبيد الأفارقة، هو الذي سمح بالتراكم السريع لرأس المال في أمريكا الشمالية والذي يستمر في التطور بفضل العمل شبه الإجباري للسجناء والعمال غير المستقرين والنساء في الولايات المتحدة، حتى خلال القرن الواحد والعشرين، وإن هذه «القيم» هي التي تشكل نموذجاً للدولة الصهيونية في فلسطين التي تسعى إلى إبادة الأحياء وإجبارهم على الهجرة من وطنهم، وتسعى إلى توسيع نطاق هيمنتها إلى سوريا (الجولان)، ومصر (سيناء)، وجنوب لبنان، والأردن، وأماكن أخرى «من النيل إلى الفرات»، ولذلك، من الضروري التنديد بقرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة سنة 1947 والذي يمثل صورةً عن الظلم الاستعماري التاريخي، باسم « المجتمع الدولي »، أو « القانون الدولي » الذي لا يعدو أن يكون أداةً للهيمنة، لأن هذا « المجتمع الدولي » يطبق جزءا من القرار 181، ويُهْمِل تطبيق القرار 194 الخاص بـ « حق عودة اللاجئين، فضلاً تعويضهم »، ويُريد المُتشدّقون بالمجتمع والقانون الدّوْلِيَّيْن أن تلعب المنظمات الفلسطينية دور المُساعد للإستعمار ( أي العَميل أو « الحركي »)، وإلا فهي متطرفة وإرهابية، خصوصًا إذا قاومت الإحتلال!
خُلاصة واستنتاجات
كان تقسيم فلسطين التاريخية وإنشاء الأمم المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة إطار لِقَوْنَنَة وشَرْعَنَة طَرْدِ الفلسطينيين ( السكان الأصليين). إن إنشاء هذه الدولة الاستعمارية على وَطَن أرض الشعب الفلسطيني هو ظلم استعماري تاريخي، وهي جريمة حصلت في ظل الظروف التي أدّت إلى تأسيس الأمم المتحدة وفي ظل أيامها الأولى، عندما كانت الغالبية العظمى من البلدان في أفريقيا وآسيا تحت الحكم الإستعماري الفرنسي أو البريطاني، وكانت جميع البلدان العربية تحت الإستعمار، ويتمتع بعضها باستقلال شكلي، تحت إشراف وإدارة القادة العسكريين البريطانيين والفرنسيين.
حاليا، لا يتعلق الأمر بمعارضة سياسات الحكومة الصهيونية، بل بإلغاء هذا النظام الاستعماري الإستيطاني الذي لا يريد أن يكون له دستور ولا حدود، ولا يمكن أن يتم ذلك سلميًا، لأن الاستعمار عنيف بطبيعته، ولن ينتهي الإستعمار (أي نوع من الإستعمار) وخصوصًا الإستعمار الإستيطاني من خلال التفاوض والنّضال السّلْمي (إن سمح به الحكم الإستعماري)، بل من خلال النضال، وعلى المظلوم أن يختار الوسيلة المناسبة، على أساس الوسائل والإمكانيات، وبشكل عام، لا يترك الاستعمار أي خيار للمستعمَرين، لأنه يُقاتلهم بقُوّة السّلاح وبالإستيلاء على الأراضي والممتلكات، فيضطر الشّعب الواقع تحت الإستعمار إلى مُقاومته بنفس الوسائل، وبالتّجنيد الشّعبي، فالشعب هو حاضن المُقاومة…
إن الدولة التي أسسها الصهاينة – بدَعْم مُباشر من الإمبريالية – على أرض الشعب الفلسطيني ليست نتاجاً لأمْر إلَهي (أرض بلا شعب وهَبَها اللّه لشعب بلا أرض !!!)، بل هي دولة غير شرعية، وتنفرد بانعدام دُسْتُورٍ وبعدم رسم حدودٍ لها، وتستخدم ضد السكان الفلسطينيين – أصحاب البلاد الشّرْعِيِّين – القوانين الموروثة من الإحتلال التّركي (العثماني) ومن الإستعمار البريطاني، والتي يُتَرْجَمُ تأويلها إلى إجازة العبودية والعنصرية والتطهير العرقي والإبادة والجرائم ضد الإنسانية… لكن هذا الإستعمار الإستيطاني الذي يعتمد عقيدة عنصرية تُجيز الإقصاء والإبادة، يُصبح في نظر القوى السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية في البلدان الإمبريالية » الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط… (التي لديها) الجيش الأكثر احترامًا للأخلاق وethics… »
لقد أثبتت معركة غزة أن هناك بعض التّغْيِير في ميزان القوى، لكنه – رغم تَوفُّر الإرادة – ليس لصالح الشعوب المضطهدة حاليا، بل يتمثل التّغيير الأساسي في إعادة تنظيم أو إعادة توزيع للهيمنة على حساب الإمبريالية الأمريكية والأوروبية (على حساب الناتو)، لصالح القوى الرأسمالية الأخرى (الصين وروسيا والبرازيل وإيران وغيرها) التي ترغب في توسيع نفوذها من خلال إقامة عالم متعدد الأقطاب بدلاً من عالم أحادي القطب، وهو تغيير قد يُخَفّف بعض الحمل لفترة وجيزة، لكن مستقبل البروليتاريا والمستغَلِّين والمضطَهَدين والمستعْمَرين – مثل الفلسطينيين – يتطلب تولِّي المعنيين أمورهم بأنفسهم، وهم في حاجة إلى المساعدة غير المشروطة من التّقدّمِيِّين والثوريين في العالم، لتحقيق أهدافهم في تحرير الأرض والإنسان.
يوضح تاريخ نضال الشعب الفلسطيني أن فلسطين كانت ولا تزال أرضًا يسكنها شعبها (أو جزء من شعبها) الذي يدافع عنها ضد المستوطنين القادمين من مائة بلد للإستيلاء على الوطن وعلى الأرض بالقوة، بمساعدة الإمبريالية وأعضاء حلف الناتو، وبعد مرور أكثر من مائة عام على وعد بلفور، يجب أن تُصبح فلسطين المكان الأقل أمانًا للشركات الرأسمالية المُستثمرة في فلسطين المحتلة، وللسياح المفتونين بالدعاية الصهيونية، وغير آمنة خاصة للمستوطنين الذين يرغبون في تصديق أنهم يحتلون « أرضًا بلا شعب »، ويجب أن يتواصل هذا الإتجاه (في ميزان القوى) لكي ترتفع تكاليف الإستعمار الإستيطاني، مقارنة بإيراداته وأرباحه…
الطاهر المعز